الدراما الاردنية: غزارة في الانتاج وسوء في التوزيع

تم نشره الأربعاء 02nd أيلول / سبتمبر 2009 02:09 صباحاً
الدراما الاردنية: غزارة في الانتاج وسوء في التوزيع
طاهر العدوان

سُئل الكاتب الايرلندي الساخر برنارد شو عن كثافة شعر وجهه, وكانت لحيته طويلة بينما رأسه اصلع, فأجاب: »انها غزارة في الانتاج وسوء في التوزيع«, واذا كانت العبارة قد استخدمت لوصف الرأسمالية والليبرالية حيث يزداد الغني غنى, والفقير فقرا, فإنني - بعيدا عن السياسة ونتائجها - اجدها مناسبة لوصف واقع الدراما الاردنية.

لقد نجحت هذه الدراما, بفضل مبادرات الفنانين وشجاعتهم وصبرهم في التميز بانتاج وتمثيل مسلسلات مواضيعها حكايات البادية وايام الفروسية والعشق والحب العذري الجميل. كانت الدراما الاردنية قد سجلت سَبْقاً, قبل الدراما السورية بسنوات في ان تكون عابرة للحدود العربية, ومنافسا للدراما المصرية على الشاشات القومية.

ظل هذا الامتياز حتى اليوم, للفنان والمخرج الاردني وتأثرت به الدراما العربية. وفي اعمال بدوية كبيرة مثل »صراع على الرمال« - من انتاج دبي - تجد الاهزوجة البدوية واللهجة والعادات في بوادينا في ثنايا هذا المسلسل مما يؤكد البصمة الفنية الدرامية الاردنية في الاعمال العربية.

غير ان هذه النجاحات كانت على خط واحد, عندما اقتصرت على المسلسلات البدوية »باستثناءات هنا وهناك« بحيث ينطبق عليها وصف برنارد شو. ذلك ان الدراما المحلية لم تقتحم بقوة وشجاعة ميدان انتاج مسلسلات بمواضيع تاريخية معاصرة, واخرى متعلقة بالصراع مع الصهيونية ودور الاردنيين فيه. وظل هذا الميدان رحبا واسعا للدراما المصرية والسورية اللتين باتتا تتوسعان في انتاج المسلسلات التي تُظهر بطولات السوريين والمصريين خلال حقب الصراع الطويلة مع اسرائيل. وهي مسلسلات تلاقي النجاح وينجذب اليها المشاهد العربي باقبال كبير.

ما يحزنني ان كل هذا التقصير او الغياب او سمّه ما شئت يثير انطباعين كلاهما سلبي. الاول - ان هناك ظلما وإجحافا كبيرين يتمان بتجاهل تاريخ الاردن الحديث وما فيه من احداث وشخصيات حقيقية, لها دور كبير في معارك الامة وفلسطين, وكل حدث او شخصية من هؤلاء لو أُنْتِجتْ في عمل درامي لنالت إقبالا واسعا من المشاهدين العرب.

الانطباع الثاني - ان هذا الغياب او التعتيم على هذا المخزون الكبير من تراث الاردنيين ومواقفهم القومية المشرفة اشاع وعيا سلبيا عند الرأي العام العربي عن الاردن والاردنيين, وفي احسن الاحوال, اقصاؤهم عن اي دور في حقبة تاريخية باتت منجما للابداع الفني, خاصة المسلسلات الرمضانية.

وحتى اكون واضحا في تقييمي للمشكلة. فان تغييب او جحود دور الاردن في حروب فلسطين ومسارات النضال القومي العربي, من الثورة العربية حتى حرب الخليج الثانية. ليس مسؤولية احد بقدر ما هي مسؤولية الدولة, لاننا امام سياسات اعلامية وحتى ثقافية تتعمد تجاهل التاريخ الوطني واحداثه ورموزه وشخصياته.

لا يحتاج الامر لخيال جامح لانتاج مسلسل اردني عابر للحدود العربية اذا كان يحكي قصة ثورة الكرك بزعامة قدر المجالي ضد الاتراك »انها سيرة دراما مذهلة« ولا يحتاج لخيال باب الحارة لانتاج مسلسل او قُل مسلسلات عن معارك القدس وباب الواد وادوار قادة مثل عبدالله التل وحابس المجالي.

معركة الكرامة على سبيل المثال, لا تقل اهمية عن حرب تشرين لانها جاءت بعد هزيمة حزيران وحملت الامة ودولها من قاع اليأس الى مشارف الامل. لماذا لا تمول الحكومة مسلسلا, او مسلسلات عن هذه المعركة تروي قصص رجالاتها من الملك الراحل الى الراحلين زيد بن شاكر ومشهور حديثه وكوكبة ابطالها وشهدائها.

واولا واخيرا, ماذا عن مسلسل يحكي حياة الملك الحسين ورحلته الطويلة عبر العواصف والانواء السياسية والعسكرية وصولا الى صراعه الفريد مع المرض. ماذا عن مسلسل يروي حياة وصفي التل منذ ان كان ثائرا في صفوف جيش الانقاذ الى مراحل حياة انفردت بها شخصيته واسلوب حياته ومواقفه. واخيرا ماذا عن مسلسل عن عرار وعلي خلقي الشرايري.

كل هذه اعمال كبيرة, لن ينصفها الخيال مهما بلغ من الجموح, ومع هذا تدفن في الرمال او خلف رؤية اعلامية ووطنية ضحلة. وهي لا تكلف الحكومة بعض ما تنفقه على الترويج للسياحة او مهرجان الاردن, ثم بعد ذلك يطلعون علينا كل رمضان بعبارة لم تعد مقبولة, انهم يظلموننا, لكن ... »وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون«.0




مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات