زملاؤنا المستشارون.. بين حضن الحكومة ونزاهة القلم !

تستعد حكومة نادر الذهبي لخوض معركة تصويب أوضاع زملائنا في \"الكار\" ممن يعملون أيضا مستشارين إعلاميين في وزارات ومؤسسات رسمية أو يديرون مواقع اعلامية ألكترونية, وبالتالي يخلطون بين العلاقات العامة وأخلاقيات مهنة الصحافة.
في الوضع الحالي, تتأرجح مواقف غالبية هؤلاء الزملاء بين تسويق خطاب الحكومة وكسب الرأي العام إلى جانبها صباحا قبل ان يستلّوا أقلامهم عصرا لكتابة زوايا واعمدة تعبر عن رأيهم الشخصي ثم ينهون يومهم في جلسات \"شغب\" سياسي.
نعم, يجلسون في صالونات يدير حواراتها رجال دولة كانوا في مرحلة ما من \"عظام الرقبة\" قبل أن يتحول غالبيتهم, كحال أزلامهم, إلى مناوئين للسياسات الرسمية بعد ان تركوا مناصبهم و\"خربت مالطا\". يشارك زملاء لنا في احتساء القهوة والشاي وكيل الاتهامات للأجهزة والوزراء والمدراء الذين, للمفارقة, يعملون على تلميع سياساتهم قبل الظهر. وهم يتحدثون بنبرة تنم عن إطلاع تام على الملفات مثار النقاش.
غالبية الصحافيين/المستشارين يعانون من ازدواجية في المقاربة. يعيشون نهارا في حضن الحكومة الدافئ ويتنعمون ب¯ \"البريستيج\" الملازم للمنصب قبل ان يواجهوا مأزق التعامل مع عبء النزاهة والموضوعية, أسس وأخلاقيات مهنة المتاعب التي يفترض ان يكون الصحافي, وبخاصة \"كاتب الرأي\" اختارها طوعا.
قبل أسابيع, طلب الذهبي من المؤسسات الحكومية لائحة بأسماء العاملين لديها بوظيفة مستشار إعلامي متفرغ او غير متفرغ. واليوم على مكتبه في الدوار الرابع ملف كامل, بمن فيهم ستة مستشارين إعلاميين من الكُتاب والمشرفين على مواقع أخبارية الكترونية.
الملف الذهبي, بحسب مسؤولين, يفصّل قيمة مكافآت شهرية لهؤلاء المحظوظين, تتراوح بين 250 و 1500 دينار. معطوفا على ذلك رواتبهم التي يتقاضونها من وسائلهم الاعلامية, حسبما ترد أسماؤهم على جدول تشكيلات الموظفين هناك. كذلك يتضمن الملف أسماء عشرات الصحافيين والمخرجين التلفزيونيين والإذاعيين يعملون في الوزارات والدوائر العامة تحت مسميات مختلفة; \"ناطق\" أو \"باحث\" لقاء مكافأة ثابتة. عدد كبير منهم أعضاء في شبكة الناطقين الاعلاميين للوزارات والمؤسسات التي تشكّلت بالتزامن مع تأسيس مركز الاعلام الاردني عام ,2005 قبل ان تطلق عليه رصاصة الرحمة عام .2007
فوق ذلك, هنالك موظفون حكوميون - في التلفزيون والاذاعة ووكالة الأنباء الرسمية (بترا)- يعملون في وسائل إعلام خاصة وشبه حكومية بعد الدوام الرسمي في نفس مجالات عملهم. غالبيتهم محررون, وليسوا كتاب رأي, ولا ضير في ذلك.
إذا, الملف يضم خليطا من تصنيفات وظيفية يزيد عددها على المائة اسم يجمع بين راتبين واجندتي عمل اعلامي متناقضتين في غالبية الاحيان.
صحيح أن نظام الخدمة المدنية سمح للموظف العام العمل في وظيفة أخرى خارج أوقات الدوام الرسمي, شريطة الحصول على موافقة مسبقة من مرؤوسه المباشر, الذي قد يكون رئيس الوزراء, أو وزيرا او مديرا, وذلك على طريقة \"اعمل خارج ساعات الدوام بس أخبرني بذلك. فلا مانع من تحسين وضعك ووضع اسرتك المعيشي لكن ليكن ذلك قانونيا\".
غالبية من يعمل في المهنتين حاصل على هذه الموافقة. مجالس نقابة الصحافيين فتحت هذا الملف مرّات عدّة لكنها لم تخلص إلى نتيجة.
فكرة الخلط بين العلاقات العامة والإعلام بدأت قبل عقود مع تنامي ضغوط غلاء المعيشة. فالموظف في قطاع الاعلام يضطر للبحث عن فرصة عمل في المجال ذاته في القطاع الخاص او الذي تسيطر الحكومة على نسبة لا بأس بها من اسهمه لسد مصاريف ما بعد الأسبوع الاول على استلام الراتب المتواضع.
لكن ظاهرة هبوط صحافيين وكتاب محترفين ممن احتلوا مواقع متقدمة في اليوميات عبر كتابة أخبار او تحليلات سياسية أو \"عمود رأي\" على الوزارات والمؤسسات كمستشارين إعلاميين تعمقت في عهد حكومة عبد الرؤوف الروابدة (1999), واستمرت كعرف لدى غالبية الحكومات التالية, الى أن أطلق الباشا نادر الذهبي جرس الإنذار الاخير.
غالبية تلك التعيينات مرّت من باب ضرورة توفير اسناد اعلامي محترف للمؤسسات الرسمية. لكن معظمها تمّ بهدف تنفيع محاسيب وأصدقاء استغلوا ظروفا معينة وفرتّها شخصيات جلست في مراكز نفوذ لفترات قصيرة, أو بهدف إسكات الصحف التي يعملون لديها في الليل عبر التهديد أو تخجيل زملائهم.
وفي الخلفية ظاهرة \"الاحتواء الناعم\" المنتشرة على نطاق واسع في الوسط الاعلامي مع ان الغالبية لا تريد الحديث فيها علانية, بحسب دراسة أعلنها مركز القدس للدراسات قبل ستة شهور. كشف ذلك المسح أن 65 بالمئة من الصحافيين حصلوا على وظائف حكومية ومنحا وأعطيات أو أعفاءات جمركية ومعاملات تفضيلية. كما وجد أن 50 في المائة من قادة الرأي \"الكتاب ومدراء التحرير ورؤساء الاقسام خضعوا لأنماط مختلفة من \"الاحتواء الناعم\" الذي يتجاوز الحكومات ليطال القطاع الخاص ورجال الأعمال فضلا عن السلطة التشريعية.
ولا يبدو أن الحكومة تحركت عن طيب خاطر لتصويب هذا النشاز الذي ينخر الجسم الاعلامي ويقوّض صدقية المهنة في عين الرأي العام وداخل الوسط الاعلامي. فخلال الشهور الماضية بانت صعوبة استمرار لعبة ازدواجية الانتماء المهني مع تعمّق حدة الاستقطابات النخبوية والشعبية وسط مخاوف من تداعيات محتملة لتسوية او تصفية القضية الفلسطينية وعلى وقع تصادم مراكز قوى تمثل ثلاثة تيارات: محافظ تقليدي يريد الابقاء على سياسة الأمر الواقع, ليبرالي يركّز على الانفتاح الاقتصادي ناقص الاصلاح السياسي, و\"إصلاحي وطني\" ينشد إصلاحات سياسية واقتصادية تدريجية.
فأحد المستشارين ممن يكتب في صحيفة شبه رسمية اخترع في زاويته بين ليلة وضحاها \"هوية جديدة\" للمملكة الاردنية الهاشمية. كاتب آخر حرّض الحكومة على التعامل بحزم مع الإخوان المسلمين على خلفية تسريب مسودة تقرير سياسي استخدمت فيه الجماعة لغّة غير مسبوقة من خلال الإيحاء بأن مؤسسة الحكم مستسلمة تماما للضغوط الصهيونية. صحافي ثالث منخرط في مهاجمة سياسات الحكومة التي يدافع عنها على مدار ثماني ساعات يوميا, خمسة أيام في الاسبوع. الحبل على الجرار والاغلبية تتفرج في زمن تداخل معايير النزاهة والمهنية والشفافية لدى غالبية المواطنين على وقع تداخل المنصب الرسمي وعالم البزنس.
مع اكتمال الملف الاعلامي, يفترض على الحكومة وضع معايير معلنة للمستشارين الإعلاميين والوظائف الاعلامية الأخرى داخل أجهزتها. ويجب أن يكون التفرغ أساس العمل. وعليها أن تتشدد في تطبيق القانون بحذافيره لتنهي المرونة الزائدة عن حدها في تعبئة الشواغر الاعلامية.
إذاَ بات تنظيف ساحة المستشارين من الصحافيين العاملين ضرورة وطنية لتخليص رئيس الحكومة ومؤسسات الدولة من ازعاجاتهم التي تضع الحكومة في حالة تأزيم مستمر مع الرأي العام ومع الجسم الصحافي. ذلك يساعد ايضا على تخليص الجسم الاعلامي من مشاعر الاستياء التي يسببها بعض هؤلاء بسبب مواقفهم المتناقضة.
فعلى من يختار العمل كمستشار إعلامي أن يهجر السلطة الرابعة, تحديدا الكُتاب كيما يعطي مصداقية للجهة التي يعمل لديها وللقسم الذي اداه حين انضم الى عضوية نقابة الصحافيين.0