انتخابات "رئاسة" النواب

لدورات برلمانية عديدة, ولفترة طويلة, تمكن عبدالهادي المجالي من الاحتفاظ بمقعد رئاسة مجلس النواب. تماما مثلما هو فتحي سرور رئيسا لمجلس الشعب المصري ونبيه بري رئيسا لمجلس النواب اللبناني.
اليوم, نحن على ابواب انتخابات جديدة للرئاسة قد تكون في اول تشرين الاول المقبل او بداية الشهر الذي يليه, ذلك ان موعد افتتاح الدورة العادية الثالثة لم يحدد بعد.
وهي انتخابات تكتسب السخونة من الان, او انه يراد لها ان تكون ساخنة. فالمجالي استبق الجميع باعلان ترشحه معتمدا على اغلبية قالت انها تمثل التيار الوطني (58) نائبا وهو التيار الذي اصبح له حزب مرخص بنفس الاسم.
هذا الاستباق أغضب الكتل الاخرى و(كبار المجلس) الذين بادروا الى عقد لقاء حضره 51 نائبا واعلنوا عن سلسلة لقاءات اخرى دون ان يحددوا اسم مرشحهم مع ان النائب عبدالكريم الدغمي كان قد اعلن عن ترشيح نفسه. واسباب الغضب كما تقول الاوساط النيابية, ان المجالي لم يكلف نفسه اجراء مشاورات مع الكتل الاخرى ومع المستقلين قبل ان يعلن ترشحه, وكأنه يقول لهؤلاء وهؤلاء لا حاجة لي باصواتكم.
اذا هي معركة مقبلة, حتى وان كانت غير متوازنة, فالمجالي خبير في اعادة تنظيم صفوف انصاره وتحشيدهم, وجميع المراهنات على انشقاقات داخل كتلته هي في حساباته دائما, وحتى لو حدثت فانها ستبقي على كتلته (التيار) الاكثر تراصا وعددا, فيما خصومه ومنافسوه يواجهونه بكتل منقسمة وبعدد من النواب المستقلين الذين من الصعب على النواب الكبار (القدامى) المراهنة عليهم لدخول معركة حساسة يخشون فيها الخسارة امام المجالي.
واذا كنت لا اريد ان اذهب بعيدا في قراءة معالم انتخابات رئاسية على الابواب, فلأنني ما تطرقت الى هذه المناسبة الاّ للتعبير عن وجهة نظر في موقع الرئاسة وطابع معركة الوصول اليها وممارستها.
لقد نجح المجالي - كما قلت - في تكريس رئاسته في دورات عديدة ولسنوات طويلة, وهذا امتياز يسجل له. فالرجل بارع في تسجيل حضوره القوي تحت القبة, كما انه لا يكل ولا يمل من اجل بناء حزب او تيار سياسي في الشارع يساند هذا الحضور حتى غدا علما سياسيا وركنا برلمانيا وشعبيا.
لقد تابعت بحكم عملي بعض معاركه عندما كانت رياح التغيير تهب عليه لازاحته من موقعه من قبل مواقع رسمية في الدولة واجهزتها, لكنه كان يخرج منها بتأكيد حضوره حتى اصبح هذا الحضور امرا واقعا. الا ان هناك استثناء لا بد من الوقوف عنده »وهو الانتخابات العامة الاخيرة, وكتلة التيار الوطني النيابية التي تشكلت في المجلس الحالي«, فقد دخل هذه الانتخابات بفكرة التيار الوطني التي طرحت عشيتها, ولم يكن خافيا انها فكرة الدولة واجهزتها. كما ان تشكيل كتلته البرلمانية, بوصفها »الاغلبية الاكبر« منذ برلمان عام ,1989 هي ايضا فكرة الدولة وتشجيعها. غير ان هذا, في رأيي, اضعف المجالي ولم يمنحه قوة اضافية, فاداؤه واداء كتلته في المجالس السابقة عندما كانت حوالي (20) نائبا كان افضل منه في ظل الاغلبية الراهنة.
واذا كانت الدورة الاخيرة للمجلس قد اظهرت تغيرا في اسلوب عمل كتلته النيابية فان هذا التغير لم يكن يبدو منظما عدا انه فاقد الوضوح والاتجاه.
وبالنسبة للكتل الاخرى والمستقلين, الذين يحاولون الآن فرز منافس لمعركة الرئاسة, فان الصورة لا تقل تشويشا واضطرابا. والواقع ان ما يأخذونه على المجالي »بعدم استشارتهم قبل الترشح« ليس حجة عليه لانه زعيم تيار وقائد حزب له اغلبية نيابية لها برنامجها المعلن وتصرفه يدل على ثقته بنفسه وكتلته. لكن اين هي برامج الآخرين وكيف لهم ان يخوضوا معركة الرئاسة بالاعتماد على النفوذ الشخصي لكل منهم, وحيث لم يفكروا بطرح برنامج مشترك يقنعون به انفسهم, والناس ايضا.
على اي حال, نحن امام انتخابات رئاسية, طرف فيها »المجالي« يخوضها على اساس حزبي وكتلوي وبرامجي »حتى وان اظهر في السابق ضعفا وارتباكا في الاداء«, واطراف اخرى لا يجمع صفوفها إلا الاحساس بالعجز مع غياب القواعد المشتركة, وغياب اكبر عن طرح القضايا الوطنية كعناوين لبرنامجهم التنافسي; فأين هو التغيير المنشود?.0