طريق السلام ومتاهة الاستسلام

ما نقصد التذكير به والتأكيد عليه هو ان الخطأ في قراءة البوصلة السياسية حتى لو كان ضئيلا عندما تقرأه على ساعة البوصلة يغدو واسعا عندما تنطلق خطوات المسيرة على الارض ، حيث تقصد مكانا وتجد نفسك في متاهة وضياع كامل.
وبدون ادنى شك فقد اغوى العرب بريق الوعود الخادعة بتسوية عادلة على مدى عقود عبر المبادلات والمشاريع والمؤتمرات والاتصالات لكن الاندفاع في الاتجاه الخطأ بدأ عندما انخرط العرب بالسير الانفرادي بالحلول ابتداء من خروج مصر من معادلة الصراع العربي الاسرائيلي عبر اتفاقية كامب ديفيد حيث ازاحت اسرائيل ثقل مصر في القضية الفلسطينية ، بالاضافة الى انهاء هاجس الحرب خاصة بعد الكابوس الذي عصف باسرائيل في حرب 1973 ، وتأكدت نظرية ان لا حرب بدون مصر.. وبذلك اسقطت خيار الحرب.. لكن ما لم ينتبه له العرب ان اسرائيل ارادت اولا شطب خبار السلام تدريجيا وفرض الاستسلام كأمر واقع.
وكما هو معروف فانه ومن خلال مؤتمر مدريد في العام 1991 وعلى نهج كامب ديفيد المصري الاسرائيلي 1979 جرى تكريس الحلول المنفردة ، ونذكر ان العرب يومها طالبوا بان تكون الاولوية لحل القضية الفلسطينية وبعد ذلك لن تكون هنالك مشكلة في حل القضايا الحدودية مع بقية الاطراف العربية المعنية ، وذلك في محاولة منهم لتصحيح الخطأ الفادح الذي مثله انحراف مسيرة التسوية في توقيع صلح منفرد مع مصر في كامب ديفيد 1979 على حساب فلسطين .
لكن عبر مفاوضات واشنطن التي انطلقت من مدريد جرى تكريس المفاوضات الثنائية المباشرة مع هامش للتنسيق بين الوفود العربية ، وتواصلت مباحثات واشنطن بين اسرائيل وكل الاطراف العربية طوال عامي 1992 و 1993 الى ان تفجرت مفاجأة توقيع الاتفاقية الثنائية بين منظمة التحرير الاسرائيلي في اواخر العام ,1993
وبتوقيع اتفاقية اوسلو في العام 1993 ازالت منظمة التحرير الفلسطينية الحرج عن الاطراف العربية في التفاوض للوصول الى حلول منفردة.
وعبر اتفاقية اوسلو التي جرت في دهاليز سرية افضت الى اتفاقية ثنائية انفرادية مغلقة اعفيت امريكا وكذلك المجتمع الدولي من مسؤولية وعودها والتزاماتها السابقة في مدريد خاصة المبدأ الذي انعقد على اساسه مؤتمر مدريد ورسائل الضمانات الامريكية لكل الاطراف العربية باولوية حل القضية الفلسطينية.
المهم ان كل ما حدث بعد مدريد واوسلو هو تفاصيل بائسة صبت كلها في مجرى الاستفراد بالفلسطينيين للتوصل الى حل منفرد وهو حل ظل عنوانه الدائم هو التواصل الى تسوية بينما مضمونه العملي هو فرض التصفية،، وكل التطورات المتلاحقة والمتسارعة في المنطقة وفي الاطار الفلسطيني تركزت على تحقيق الهدف الاسرائيلي باستكمال الاجراءات المفضية للتصفية.
ولم تكن خافية اندفاعة ادارة الرئيس الامريكي السابق بوش الابن في تنفيذ ما تريد اسرائيل ، وبعد انتخاب الرئيس الامريكي الجديد اوباما لاحت آمال بان هنالك تعاطيا امريكيا رسميا جديدا مع القضية الفلسطينية ، لكن الخلاصة التي توصل لها اوباما وادارته كانت اسوأ ما يصيب القضية ، ولو انه في نفس السياق المتصل لتحقيق الهدف الاسرائيلي بتصفية القضية ، مما هو مطروح ، كما اشرنا سابقا مرارا هو التطبيع مع العرب مقابل وقف جزئي ومؤقت للاستيطان.
والتطبيع كما هو معروف هو نهاية المطاف وتصفية القضية بالضربة القاضية وانهاء اي دور عربي ، واطباق العزلة على الفلسطينيين واذا كانت اسرائيل وامريكا والغرب يعرفون ماذا يريدون وتحديدا نزع البعد العربي القومي لقضية الصراع مع اسرائيل فان المفروض ان يدرك العرب انهم يملكون خيارا قويا موازيا للتوصل الى السلام العادل والشامل في مواجهة النهج الرامي لفرض الاستسلام وتصفية القضية الفلسطينية.
وما نطالب به ان يعتمد العرب خيار السلام وليس خيار الحرب ولكن هذا السلام يتطلب ارادة باعادة قراء البوصلة بشكل دقيق والانطلاق في مسيرة السلام ، ويفترض ان يواجه العرب العالم بالغاء كل الاتفاقيات مع اسرائيل وكل المبادرات ولكل الالتزامات المجانية ، وفيما لو كان الالغاء فوق طاقتهم وهو يجب ان لا يكون كذلك فان بامكانهم تجميد كل الاتفاقيات والمبادرات والتزامات المجانية السابقة لتصحيح مسار الامور واعادة ترتيب الاولويات ، فالاولوية المطلقة هي لحل القضية الفلسطينية وبعدها تقاد كل الاتفاقيات. وتستكمل اتفاقيات وعلاقات تطبيع شاملة فيما بيننا وبين اسرائيل منذ عقود هو انكارها لحقوق الشعب الفلسطيني وعنصريتها ومعاداتها للسلام الذي هو مصلحة لاسرائيل وللعرب وللمنطقة وللعالم وهو خير للجميع لكن اسرائيل التي قامت على الشر لا تريد الا الشر وفرض الاستسلام على 350 مليون عربي ومليار ونصف مليار مسلم ، ذلك ما لن يكون.