مهمة صحافية في القدس المحتلة

الزيارة جاءت في توقيت سيئ والصحف لم تكن مجبرة على المشاركة
12/9/2009
اثارت مهمة الوفد الصحافي الاردني في القدس المحتلة جدلا واسعا في الاوساط النقابية والإعلامية. مجلس النقباء اعتبرها عملاً تطبيعيا خالصا, ولوحت لجنة مقاومة التطبيع النقابية بوضع اسماء الزملاء الذين شاركوا فيها على اللائحة السوداء.
اما نقابة الصحافيين ممثلة بالنقيب الزميل الاستاذ عبدالوهاب زغيلات فقد احتجت على موقف النقابات المهنية وقالت ان مهمة الزملاء في القدس تأتي في اطار العمل الرسمي وذكّرت بان قرارات الهيئات العامة برفض التطبيع مع اسرائيل استثنت الموظفين العموميين الذين يطلب منهم رسميا القيام بزيارات عمل الى اسرائيل.
وسط هذا الجدل ينبغي التوقف عند ملابسات هذه الزيارة لمعرفة حقيقة ما جرى.
وفق الكتاب الموجه من وزير الدولة لشؤون الأعلام والاتصال الدكتور نبيل الشريف الى الصحف اليومية قبل شهر تقريباً فان الزيارة مبرمجة في الاساس لوسائل الاعلام الرسمي الاردني أي لوكالة الانباء الاردنية والتلفزيون والاذاعة. وعرض الوزير على الصحف المشاركة في الزيارة اذا ما رغبت الى جانب الوفد الرسمي. ادارات الصحف التي قدم اليها العرض قبلت الدعوة باستثناء »العرب اليوم« واعتقد ان المشكلة بدأت من هنا. فلو اعتذرت الصحف الزميلة عن المشاركة لما شهدنا هذا الجدل حاليا. فقد سبق لزملاء من »بترا« والتلفزيون والاذاعة الاردنية ان قاموا بزيارات الى اسرائيل واذكر ان المؤسستين اوفدت صحافيين لتغطية الانتخابات الاسرائيلية.
الزملاء في »بترا« والتلفزيون موظفون رسميون يصعب عليهم وعلى اداراتهم ان ترفض طلبات الحكومة لان ذلك قد يكلفهم وظيفتهم, وهم مثل غيرهم من موظفي الوزارات والدوائر الحكومية الذين يذهبون بالمئات الى اسرائيل للمشاركة في دورات تدريبية ونشاطات مشتركة. المسؤولية السياسية والاخلاقية هنا تقع على عاتق الحكومة التي ترغم الموظفين على التطبيع خلافا لرغبة الكثيرين منهم.
اما الصحف اليومية فهي ليست مؤسسات رسمية ويفترض ان التعليمات التي تطبق في دوائر الاعلام الرسمي لا تسري عليها. ولها مطلق الحرية في اتخاذ ما تراه مناسبا من قرارات وبما لا يتعارض مع توجهات النقابة التي تنتسب اليها. ومن الزاوية المهنية وبصرف النظر عن الزيارة الاخيرة للقدس فان ايفاد صحافي في مهمة صحافية داخلية او خارجية هو شأن خاص بمؤسسته ولها وحدها ان تقدر ان كانت معنية بتغطية الحدث ام لا. اما ان تكون المشاركة بناء على تعليمات حكومية فان ذلك ينزع صفة الاستقلالية عن الوسيلة الاعلامية.
من الناحية السياسية فان زيارة القدس المحتلة في مثل هذه الظروف لم يكن لها ما يبررها وهي تتعارض مع الموقف الرسمي الاردني الذي يعتبر القدس جزءاً لا يتجزأ من الاراضي الفلسطينية المحتلة. كما ينبغي ملاحظة امر آخر ان القدس وفق الوقائع السياسية القائمة في فلسطين ليست جزءا من اراضي السلطة الوطنية. كما ان الدور الاردني في رعاية المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس يجب ان لا يستغل من طرف اسرائيل لتكريس صورة المدينة المحتلة كعاصمة لكيانهم ولهذا الاعتبار فان المسؤولين الاردنيين يمتنعون عن القيام بزيارات »رسمية« للقدس ويتوجهون في العادة الى تل ابيب.
توقيت الزيارة كان سيئا ايضا فهي جاءت في وقت تتعرض فيه المدينة الى اوسع هجمة استيطانية تهدد هويتها العربية والاسلامية. وستسعى اسرائيل لاستغلال زيارة الوفد الصحافي الاردني وما نشهده من رحلات حج مسيحي واسلامي الى القدس لتقول للعالم بانها جادة في جعل المدينة رمزا للتعايش الديني ومفتوحة لاتباع الديانات جميعا ليمارسوا عباداتهم من دون أي مضايقات ويشرفوا بانفسهم على العناية باماكن العبادة. لكن اسرائيل ستضمن ذلك كله مقابل اعتراف العالم بالقدس عاصمة لدولتها. علينا ان لا نسلم بهذا المخطط او نكون طرفا فيه.
ان القدس ارض محتلة وهي رمز اساسي من رموز الصراع مع العدو الصهيوني وعاصمة الدولة الفلسطينية وليست مجرد مدينة تحتضن مواقع دينية غالية على قلوبنا.0