شيوعيون وليبراليون
تم نشره الإثنين 14 أيلول / سبتمبر 2009 02:58 صباحاً

عريب الرنتاوي
طوال عقود من الزمان ، دفع الشيوعيون العرب الثمن باهظا لـ"صورة نمطية" وضعتهم في خانة العمالة للاتحاد السوفياتي والحركة الشيوعية العالمية ، وهي صورة شكلتها ونفخت فيها وعممتها ، دوائر حكومية عربية وقوى سلفية وإخوانية أهلية ، كانت مندرجة في "حلف غير مقدس" بزعامة واشنطن وتحت لواء الحرب الباردة ضد الخطر الشيوعي الأحمر.
واليوم ، يدفع الليبراليون العرب ، ثمنا باهظا أيضا ، لـ"صورة نمطية" أخرى ، يراد بها وضعهم في خانة العمالة ، ولكن للغرب عموما والولايات المتحدة على وجه الخصوص هذه المرة.. وهي صورة تشكلها وتنفخ وتعممها ، دوائر حكومية عربية ، تعشق الليبرالية الاقتصادية حد التبني ، وتمقت حتى الاستئصال ، أي مظهر من مظاهر الليبرالية السياسية وأي صورة من صور الحرية والديمقراطية والتعددية ، تساعدها في "حربها غير المقدسة" ضد الخطر الليبرالي البرتقالي ، القوى الأصولية بمدارسها المختلفة ذاتها ، مدعمة بمدد محدود من بقايا القوى القومية واليسارية العربية.
لم يكن الشيوعيون أبرياء تماما مما لحق بهم من "تنميط" و"تبسيط" ، فكثيرون منهم كانوا يرفعون المظلات فوق رؤوسهم حين تمطر في موسكو ، وكانت عروقهم تنفر من جباههم وأعناقهم وهم يستذكرون صفحات من ملاحم الدفاع عن "وطن الاشتراكية الأول" ، في حين ظلت علاقتهم بالقضايا القومية والوطنية "سكر خفيف" ، إلى أن قاد الحزب الشيوعي اللبناني حملة مراجعات واسعة ، استكملت ما بدأه شيوعيون منشقون ويساريون مثقفون ولدوا من خارج رحم الحاضنة الشيوعية الكلاسيكية ، المعترف بها من الكرملين و"الكومنترن".
وليس الليبراليون العرب ، أبرياء بدورهم مما حاق بهم من سوء "تبسيط" و"تنميط" ، فهم - - غالبيتهم العظمى - أداروا ظهورهم لقضايا الأمة وكفاحها في من أجل استكمال تحررها الوطني ، وهم اسقطوا من حساباتهم مقتضيات الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية ، وهم اصطفوا في طوابير "المؤلفة قلوبهم" على موائد "البترودولار" و"الاعتدال" و"التسويات" و"المبادرات" ، وهم أظهروا حساسية معدومة حيال حركات سياسية جماهيرية نافذة ، وقدموا تناقضهم معها على صراعهم مع خصوم الأمة وأعدائها التاريخيين ، لا لشيء إلا لأنها ذات مرجعية إسلامية.
منذ النهضة والتنوير ، قبل أزيد من مائة عام ، وبرغم صعود وهبوط الحركة الشيوعية في العالم ، ظل الشيوعيون العرب أقلية نخبوية ، أخفقت في التحول إلى تيار جماهيري عريض ، وعجزت عن الوصول إلى السلطة في الدول العربية.. وكذا الحال بالنسبة لليبراليين العرب ، الذي بدأ التنوير بهم في مفتتح الفرن الفائت ، إلى أن غابوا - أو غييبوا - عن المسرح بفعل الانقلابات و"ترييف المدن العربية" في خمسينييات القرن الفائت ، ومن ثم بفعل "البترودولار" و"بدونة المدينة العربية" على يد الوهابية المدججة بالمال والتطرف ، قبل أن يعودوا للظهور على استحياء على منصة "الشرق الأوسط الكبير".
عندما نتحدث عن "الشيوعيين العرب" ، لا نتحدث عنهم جميعا ، فقد خرجت كما قلنا تيارات ومراجعات وشخصيات شقت طريقا مغايرا ، وعندما نتحدث عن "الليبراليين العرب" ، لا نتحدث عنهم جميعهم ، وإن كنا نتحدث عن غالبيتهم العظمى ، أما التحدي الذي يواجه هؤلاء ويضعهم على المحك فهو أن يكونوا ليبراليين "بحق" ، وأن يكونوا وطنيين وقوميين مخلصين في الوقت ذاته ، أن يكونوا ليبراليين من جهة ومناضلين من جهة ثانية ، فما الضير في ذلك ، وما العوائق الفكرية والسياسية والثقافية التي تحول دون الاهتداء لمعادلة تصهر هذين الحدين في بوتقة واحدة ، إذ من دون ذلك ، فلن يكون لليبرالية العربية حاضر ولا مستقبل ، ولن تكون أكثر من فاصلة في كتاب التاريخ العربي الحديث والمعاصر ، بل ولن تحتل مساحة ذات قيمة تذكر ، حتى بالمقارنة مع تلك التي احتلها الشيوعيون ذات يوم.
واليوم ، يدفع الليبراليون العرب ، ثمنا باهظا أيضا ، لـ"صورة نمطية" أخرى ، يراد بها وضعهم في خانة العمالة ، ولكن للغرب عموما والولايات المتحدة على وجه الخصوص هذه المرة.. وهي صورة تشكلها وتنفخ وتعممها ، دوائر حكومية عربية ، تعشق الليبرالية الاقتصادية حد التبني ، وتمقت حتى الاستئصال ، أي مظهر من مظاهر الليبرالية السياسية وأي صورة من صور الحرية والديمقراطية والتعددية ، تساعدها في "حربها غير المقدسة" ضد الخطر الليبرالي البرتقالي ، القوى الأصولية بمدارسها المختلفة ذاتها ، مدعمة بمدد محدود من بقايا القوى القومية واليسارية العربية.
لم يكن الشيوعيون أبرياء تماما مما لحق بهم من "تنميط" و"تبسيط" ، فكثيرون منهم كانوا يرفعون المظلات فوق رؤوسهم حين تمطر في موسكو ، وكانت عروقهم تنفر من جباههم وأعناقهم وهم يستذكرون صفحات من ملاحم الدفاع عن "وطن الاشتراكية الأول" ، في حين ظلت علاقتهم بالقضايا القومية والوطنية "سكر خفيف" ، إلى أن قاد الحزب الشيوعي اللبناني حملة مراجعات واسعة ، استكملت ما بدأه شيوعيون منشقون ويساريون مثقفون ولدوا من خارج رحم الحاضنة الشيوعية الكلاسيكية ، المعترف بها من الكرملين و"الكومنترن".
وليس الليبراليون العرب ، أبرياء بدورهم مما حاق بهم من سوء "تبسيط" و"تنميط" ، فهم - - غالبيتهم العظمى - أداروا ظهورهم لقضايا الأمة وكفاحها في من أجل استكمال تحررها الوطني ، وهم اسقطوا من حساباتهم مقتضيات الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية ، وهم اصطفوا في طوابير "المؤلفة قلوبهم" على موائد "البترودولار" و"الاعتدال" و"التسويات" و"المبادرات" ، وهم أظهروا حساسية معدومة حيال حركات سياسية جماهيرية نافذة ، وقدموا تناقضهم معها على صراعهم مع خصوم الأمة وأعدائها التاريخيين ، لا لشيء إلا لأنها ذات مرجعية إسلامية.
منذ النهضة والتنوير ، قبل أزيد من مائة عام ، وبرغم صعود وهبوط الحركة الشيوعية في العالم ، ظل الشيوعيون العرب أقلية نخبوية ، أخفقت في التحول إلى تيار جماهيري عريض ، وعجزت عن الوصول إلى السلطة في الدول العربية.. وكذا الحال بالنسبة لليبراليين العرب ، الذي بدأ التنوير بهم في مفتتح الفرن الفائت ، إلى أن غابوا - أو غييبوا - عن المسرح بفعل الانقلابات و"ترييف المدن العربية" في خمسينييات القرن الفائت ، ومن ثم بفعل "البترودولار" و"بدونة المدينة العربية" على يد الوهابية المدججة بالمال والتطرف ، قبل أن يعودوا للظهور على استحياء على منصة "الشرق الأوسط الكبير".
عندما نتحدث عن "الشيوعيين العرب" ، لا نتحدث عنهم جميعا ، فقد خرجت كما قلنا تيارات ومراجعات وشخصيات شقت طريقا مغايرا ، وعندما نتحدث عن "الليبراليين العرب" ، لا نتحدث عنهم جميعهم ، وإن كنا نتحدث عن غالبيتهم العظمى ، أما التحدي الذي يواجه هؤلاء ويضعهم على المحك فهو أن يكونوا ليبراليين "بحق" ، وأن يكونوا وطنيين وقوميين مخلصين في الوقت ذاته ، أن يكونوا ليبراليين من جهة ومناضلين من جهة ثانية ، فما الضير في ذلك ، وما العوائق الفكرية والسياسية والثقافية التي تحول دون الاهتداء لمعادلة تصهر هذين الحدين في بوتقة واحدة ، إذ من دون ذلك ، فلن يكون لليبرالية العربية حاضر ولا مستقبل ، ولن تكون أكثر من فاصلة في كتاب التاريخ العربي الحديث والمعاصر ، بل ولن تحتل مساحة ذات قيمة تذكر ، حتى بالمقارنة مع تلك التي احتلها الشيوعيون ذات يوم.