احذروا.. الحوالات والسياحة والمنح في تراجع

الكل يتذكر ان منحنى التراجع في الاقتصاد الوطني الذي ادى الى ازمة الدينار نهاية عقد الثمانينيات كان قد بدأ عام 1985 عقب هبوط مؤشرات مالية رئيسية ثلاثة هي المساعدات الخارجية وحوالات المغتربين في الخارج والدخل السياحي.
طبعا المؤشرات السابقة هبطت لعدة اسباب في ذلك الوقت لعل ابرزها يتعلق بتراجع الطلب في الاقتصاد العالمي ودخوله حالة تباطؤ وانخفاض اسعار النفط الامر الذي ادى الى تنصل العديد من الدول العربية من التزاماتها في قمة بغداد بدعم الاردن ما مقداره مليار دولار سنويا, وهذا لم يحصل ابدا, اضافة الى ان سلوكيات الانفاق الرسمي الاردني من خلال موازنات الدولة حينها كانت تفتقر للحصافة في التعامل مع معطيات الوضع الاقتصادي المتردي, وبدلا من ضبط نفقاتهم ضمن الموارد المحدودة التي يملكها الاقتصاد الوطني, او حتى ضمن قراءة بسيطة لحالة الاقتصاد العالمي آنذاك او رصد حالة تراجع الدول عن دعم الاردن قامت الحكومات المتعاقبة في تلك الفترة بممارسة اشكال انفاق غير رشيدة على الاطلاق متجاهلة العوامل السابقة, مما ادى انهيار حقيقي للاقتصاد الذي دخل بعدها نفق برامج التصحيح الاقتصادي مع صندوق النقد ولم يخرج منه الا بعد 14 عاما.
اليوم ومع فارق وجود مؤشرات نقدية قوية متمثلة باحتياطات صعبة من العملات تجاوزت العشرة مليارات دولار وودائع تناهز ال¯ 19 مليار دينار فان وضع الاقتصاد الاردني قد يكون مشابها لما كان عليه في منتصف الثمانينيات حتى في التحديات التي يواجهها تتطابق في المضمون والشكل.
اليوم وفقا لاحصائيات البنك المركزي فان تحويلات المغتربين في شهر آب الماضي قد انخفضت بنسبة 19.6 بالمئة الى 201 مليون دينار مقابل 250 مليون دينار لشهر آب من العام الماضي لتتراجع بذلك الحوالات في الشهور الثمانية الاولى من هذا العام بنسبة 5.8 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي, كما بلغت التحويلات التراكمية 1.689 مليار دينار مقابل 1.792 مليار دينار لفترة المقارنة ذاتها.
كما ان المساعدات الخارجية تراجعت في النصف الاول بما نسبته 170 بالمئة مقارنة مع النصف الاول من عام ,2008 وبلغت في الشهور الستة الماضية ما مقداره 96 مليون دينار تقريبا, علما ان الموازنة قدرت المنح لهذا العام بحوالي 986 مليون دينار.
اما فيما يتعلق بالسياحة فقد دلت البيانات الرسمية ان إيرادات الدخل السياحي شهدت تراجعا كبيرا في شهر آب بنسبة 15 بالمئة مقارنة بشهر آب من العام الماضي, حيث بلغت 261 مليون دينار مقابل 307 ملايين دينار, طبعا هذا يعود لتراجع اعداد السياح الأوروبيين والامريكيين بشكل حاد خلال العام الحالي, علما ان الحكومة قد بنت توقعاتها على ارتفاع الدخل السياحي ليصبح عند مستوى 2.5 مليار دينار, فيما تدل المؤشرات ان الوصول لهذه الارقام بعيد المنال بسبب تراجع الانفاق السياحي نتيجة الازمة.
طبعا المؤشرات السابقة الثلاثة تصاحبها ارقام اقتصادية سلبية مثل نمو عجز الموازنة 40 بالمئة عن المقدر ليصبح 1.1 مليار دينار, وارتفاع معدل البطالة في النصف الاول الى 14 بالمئة بواقع نقطتين تقريبا, وتراجع النمو الاقتصادي الى 3.2 بالمئة وازدياد جيوب الفقر الى عشرين في المملكة بدلا من عشرة, وارتفاع تدريجي لاسعار السلع والخدمات وتضاؤل القوة الشرائية للدينار ومحدودية القطاعين في عملية التوظيف وخلق فرص عمل جديدة وتنامي النفقات التشغيلية للدولة وتراجع الايرادات وهبوط مرتبة المملكة في العديد من التقارير الاقتصادية الدولية مع تراجع التدفقات الاستثمارية في المملكة بنسبة تجاوزت 65 بالمئة وغيرها من المؤشرات السلبية التي بدأت تظهر على الاقتصاد الوطني.
المؤشرات السابقة والحالية التي يمر بها الاقتصاد في الوقت الراهن تستدعي وقفة مراجعة ويقظة من المسؤولين للحد من تطورها بشكل سلبي اكثر مما هي عليه, والا فان الامور قد تسير الى نفق مجهول لا يُعْلَمْ الى اين يؤدي, والتحذير خير من الكلام المعسول الذي يسوقه البعض من ان الاقتصاد الاردني منيع وقادر على مواجهة التحديات لانه اعتاد عليها في العقود الماضية, ونقول لهم ان الاقتصاد يكون منيعا برجال صادقين مخلصين لهذا الوطن مدركين لحجمه ودوره ويتطلعون الى بناء اقتصاد يعتمد على الذات اكثر من اعتماده على خزائن الجوار.