هاتـــــــف

منذ أيام وأنا أتابع (الافطارات) الرمضانية التي تقيمها الشركات وتدعى لها الصحافة.. ثمة تعليقات تكتب تحت الصور من شاكلة ''نيكولا يتوسط سوزي وايفيت بيضة.. نيالو نيكولا..!!.
ويكتب تعليق آخر تحت صورة اخرى: (ايفيت بيضة) تودع مدير العلاقات العامة في شركة ''الوردة الحمراء'' السيد ''جان تطله''... لفت انتباهي أيضا تعليق يقول....: كلوديا شرشبيل وزوجها السيد طوني ئرنفله.. يشربان الارجيلة.
لقد ترسخ لدينا شيء اسمه مجتمع الشركات، ... وصار هناك تهافت إعلامي ورسمي على الحضور... ذلك أن رأس المال يقرر.
زمان اقصد قبل أن أصبح يتيما كنت اعيش في منزلنا مع أمي ؟ رحمها الله ؟ وحين ننهي الافطار كان لي وظيفة غاية في الدقة هي احضار دفتر ارقام الاهل والعشيرة.. ومن ثم التحدث معهم.. واحدا واحدا أنا أطلب الرقم وهي تتحدث.. وإذا ساعدها عظمها الذي تفتت من غزو السرطان أوصلها إلى المسجد... وهناك تؤدي التراويح ومن ثم نعود وفي الطريق تذكرني بنساء لا اعرفهن ذات مرة .. قالت لي انها لم تتصل بحورية منذ زمن.. وانا تهت من اين احضر رقم حورية.
كانت وظائفي متشعبة ايضا فثمة مخططات للعيد.. وانا أؤدي دور السائق ودور حامل العصا التي تتكئ عليها وانا المقسم.. الذي يطلب لها (الولايا) كي تسلم عليهن وانا العبد الذي رفض حتى هذه اللحظة أن يتحرر من عبوديته لأمه صدقوني ان اجمل وظيفة في الحياة هي ان تكون عبدا لدى أمك.
لم ينساب حبري يوما سلسا رقاقا في القلم الا اذا حضرت امي في سطور الكلام او حضر وطني.. وخلت في لحظة من العمر ان سيرتي في الحياة تتلخص في كلمتين فقط أمي وبلادي.
كيف تسرق منا الشركات إذا اغلى الاسماء؟... حين تابعت احتفالاتها وافطاراتها في رمضان.. اكتشفت انهم يستعملون في متن الخبر جملة ''وحضر مندوبا عن الشركة الام''.. أي شركة ''ام'' تلك.. وهي يقوى من يكتب الخبر ان يلوث الطهر والعفاف بالدولار.. كيف سمح له ضميره..
على كل حال بين تفاصيل احتفالات الشركات والشركات الأم.. وحضور (طوني) و(نيكولا).. و(ايفيت) والارجيلة.
وبين عبوديتي لأمي في ذلك الشهر مسافات لا تنتهي.
المشكلة اني حين اشاهد اسماء النساء اللواتي ينفخن الارجيلة في احتفالات تلك الشركات اسأل نفسي هل هن (امهات) حقيقيات.
لدي سؤال لماذا يتهافت الاعلامي في بلدنا على احتفالات الشركات وتتسابق الصحف في فرد الصور يا ترى هل استبدلنا ابوة الوطن بأمومة الشركة.. ربما؟! فالشركات ترضع دولارات.
للعلم فجعت باليتم وانا في ريعان شبابي وربيع العمر.. ولكن للآن ما زالت تأتيني أمي.. في الحلم.. واظن ان الله اودع الحلم في عقل الإنسان كهاتف لا ينقطع بينه وبين من غادروا الحياة.
hadimajali@hotmail.com