تعذيب المواطن في القطاع الخاص

نبدأ من البنوك حيث يبدو أنه وفي ظل التنافس على تحقيق أرباح أعلى بكلفة أقل فان التضحية بأعداد من الموظفين كان أول الإجراءات، وزيارة واحدة الى فرع أي من البنوك الكبرى تكفي لبيان حجم التعذيب الذي يمارس بحق المواطن حين يضطر للانتظار ساعة إلى أن يأتي دوره في صرف شيك أو أيداع مبلغ في حسابه.
لم أصدق ما سمعت من شكاوى الى أن ذهبت بنفسي الى فرع بنك مشهور وتناولت ورقة الدور من الجهاز المثبت عند المدخل فكان الرقم 67، والميكروفون ينادي على الرقم 41، ومن بين سبع نوافذ خدمة زبائن كان واحدا يعمل بانتظام والثاني بصورة متقطعة وبقية النوافذ مكتوب عليها (مغلق) باللغة الإنجليزية ولا يوجد موظفون خلفها، وعندما وصلني الدور كان قد مر 55 دقيقة لأحصل على خدمة استغرقت ثلاث دقائق.
البنوك ترسم صورة وردية مغرية من خلال الاعلانات والجوائز فيبدأ الاطفال في الضغط على الاباء لفتح حسابات توفير أو غيرها طمعا في الجوائز ويبدأ كثيرون في عض شفاههم وهم يشاهدون صورة الرابح الاكبر الذي فتحت في وجهه أبواب الثروة فجأة، غير أن السؤال هل كل شروط ومتطلبات التنافس على الجوائز معلنة بالفعل أم هناك آليات سرية في طريقة أجراء السحب تصل الى درجة خداع المواطن بأوهام غير حقيقية في جوانب معينة أعرفها بالتفصيل وليس مجال شرحها هنا.
وفي بعض شركات الاتصالات تتكرر الصورة من حيث صعوبة الحصول على الخدمة فللمرة الرابعة أزور أحد مراكز الخدمة لشركة اتصالات لتعديل الاشتراك الهاتفي لمكتبي وفي كل مرة أعود خائبا بسبب الطابور المنتظر والازدحام الخانق، وقلة الموظفين، ومع ذلك نسمع عن قرارات وشيكة بانهاء خدمات مئات الموظفين قريبا.
تأتيك الفواتير لا تعرف كيف ولماذا وحين تطلب المسؤول للتحدث اليه فانك تدخل في متاهة لا أول لها ولا آخر، وعليك دائما أن تدفع ثم تعترض فيما بعد اذا كان هناك من سيسمع اعتراضك بعد الدفع، واذا تفحصت إعلانات المحاكم في الصحف اليومية ستكتشف حجم القضايا المرفوعة من شركات الاتصالات ضد المواطنين. أما الرسائل الهاتفية التي (تزن وترن) حتى في ساعات متأخرة من الليل فحدث ولا حرج ابتداء من البحث عن صديقة أو عروس وانتهاء بعشرات المسابقات والجوائز التي لا يعرف أحد كيف يتم توزيعها ان كان هناك توزيع حقا.
ونأتي الى المخابز الكبرى حيث استقر سعر كيلو الخبز على ربع دينار وليس ستة عشر قرشا كما هو قرار وزارة الصناعة والتجارة، أما كيف فالجواب كما يلي : السعر الرسمي للخبز القطع الكبير (الطحين الموحد) ستة عشر قرشا للكيلو، والسعر للحجم الصغير (المحسن) ربع دينار للكيلو على أن تلتزم المخابز بتوفير النوعين أمام المشتري طوال اليوم، لكن ما يحدث فعلا أن المخابز تضع النوع الاول في مكان خلف (الكاونتر) بعيدا عن أيدي المشترين أو تعرض كمية قليلة في مكان غير ظاهر تحسبا فيما اذا حضر مراقب التموين، وتضع النوع الثاني معبأ في أكياس وزن كيلو أو اثنين أمام المشتري مباشرة، وهكذا يأتي المشترون ويذهبون ظانين أن هذا النوع هو الوحيد المتوفر ولا خيار غيره، ولا يمكن للمواطن أن يتجول بين المخابز باحثا عن فرق سعر عشرة قروش فكلفة البحث غير المضمون النتائج أعلى بكثير.
وأخيرا عنجهية عدد غير قليل من سائقي التاكسيات واختيارهم خط السير الذي يوافق أهواءهم، فكم من مواطن اشتكى عبر المحطات الاذاعية من مزاجية هؤلاء حين تشير اليه فيقف فاذا أعجبه الاتجاه الذي تقصده أقلك واذا لم يعجبه كشر في وجهك ورفض وربما تحرك بالسيارة قبل أن تغلق الباب، أما توقيف العداد حسب نوع الزبون فأمر يتكرر باستمرار وبالطبع فنادرا ما تجد سائق تكسي يحمل (فكة) وقلما تجد منهم من يأخذ حقه دون زيادة بالاكراه أو الزعم الكاذب بعدم وجود (فكة)!!.
لمن يشتكي المواطن في كل ما سبق؟ لقد يئس الناس من كثرة الشكوى ولا من مجيب، وآن الأوان أن نستسلم لمقولة أن هناك غيابا للسلطة الرقابية على القطاع الخاص شيئا فشيئا أو هي فقدتها بالفعل.