«قبة الاقصى» التي تلمع ابدا

تم نشره الخميس 24 أيلول / سبتمبر 2009 01:27 مساءً
«قبة الاقصى» التي تلمع ابدا
ماهر ابو طير

حين تضيق بي الدنيا ، لسبب شخصي او عام ، اهرب الى جنوب المملكة ، حيث في "مؤتة" الكرك يرقد جعفر الطيار ، اي جعفر بن ابي طالب ، لاقرأ له الفاتحة.

هذا ما فعلته ثاني ايام العيد. قلت زيارته خير من زيارة كثيرين. عنده لا نفاق ولا كذب ولا مجاملات فائضة عن الحاجة. لسر لا افهمه حتى الان ، كلما ازوره اعود وقد استعدت توازني الداخلي ، وكأنني تلقيت هواء منعشا لثلاثة شهور مقبلة. لا اعرف السبب. ربما لاني اتذكر وانا الواقف عنده ان ها هنا رجلا ليس كالرجال. امسك بالراية عبر يمينه ، وحين قطعها الروم في معركة مؤتة ، نقلها الى اليسرى. لم يصرخ ولم يتألم ، ولم يقع ارضا. وحين قطعوا له اليسرى ، ضمها الى صدره بما تبقى. اول الفداء و"ابوالمساكين" كما لقبه رسول الله.

سقط المطر غزيرا صبيحة العيد. عيدية الله للناس ، خير من دنانير قليلة ننفقها ولا تعود ابدا. صبيحة العيد كانت مفعمة بسكينة وهدوء غريبين. ربما يعوض الله "الفقراء" بالسكينة والصبر. لست ادري لماذا تذكرت قبة المسجد الاقصى وقبة مسجد قبة الصخرة حين فتحت عينيّ في السادسة صباحا. قلت لا.. بد انهما بعد سقوط المطر فوق القدس ، واشراقات الشمس ، تلمعان الان. تشرقان كشمسين على قلبي. تذكرت البلدة القديمة. باعة الكعك. الوجوه المقدسية التي يسلبها الغدر كل ما تبقى من حياة. لم تغب القدس عن بالي طوال يوم العيد الاول. اشتد حزني وهمي في المساء ، ولم اجد سوى "الكرك" ملاذا لي. أليست الكرك شقيقة القدس ، واختها ، أليست احدى مدن الفتح الايوبي ، التي اعدت لحطين. كانت جبين الفتح الايوبي وغرته. أليست هنا خيل المسلمين وصهيلها. في صبيحة اليوم الثاني وجهت وجهي نحو قبلة ارضاها. فذهبت الى الكرك ، لازور جعفر ، ولاشرب من ماء بئر مدين ، حيث وقف موسى عليه السلام منهكا خائفا ، فجاءته "النصرة" ايضا من ارض الكرك الخضراء ، طوال عام ، خصيبا كان ام مجدبا ، لا فرق ، خضراء كقلب جعفر.

وقفت عند جعفر ، بين يدي جعفر. او قل جناحي جعفر. قلت ماهذا الفدائي الاول. لم يكتف بشهادة عادية. اليمنى ثم اليسرى ثم صدره ، وجسده. قطعوا اوصاله ، غير ان روحه ليست ملكا لاحد. هنا القصة. قد يقطعون اوصالنا يدا تلو يد. عينا تلو عين. قدما تلو قدم. غير ان قلبك وروحك ليستا ملكا لاحد ، كل ما هو مادي وارضي قد تتم سرقته. يسلبونك اياه. اما قلبك فسماوي ، وروحك علوية ، فلا يسلبهما احد. ولا يقدر على ذلك احد. الفداء ليس له حد ولا درجة. قرأت الفاتحة لجعفر ، وزرت رفيقيه الاخرين. سبحان الله ، ارض الاردن ليست عابرة للتاريخ ، وليست بلا ذاكرة ، وليست مجهولة النسب. الجهلة فقط يظنون ذلك. هل يفسر لي احد سر خط الشهداء والصحابة والانبياء الممتد طولا من آخر نقطة في الغور الشمالي ، حتى اخر نقطة في جنوب المملكة ، على طول الحدود مع فلسطين. الاردن حارسة المشرق العربي وعينه الحمراء. سياج الجزيرة وبيت الله الحرام. القلعة التي فيها سر الوعد بفتح مبين ذات يوم. تخيلوا ايضا ذلك اليوم ، فحصته الكبرى للاردن وعلى ارض الاردن ، وسينسب كبرياء ذاك اليوم للاردن ، وانت يا جعفر لم تدفن هنا عبثا ، فبعده جاء رجال من شرق النهر وغربه ، ليقدموا ارواحهم لله. ما ملوا ولا هربوا ولا تكاسلوا ، في وجه القتلة.

اعود الى عمان ، وقد زالت الاثقال عن قلبي. في كل مكان مذابح في ديار العرب والمسلمين التي غشيها الموت والظلام من حولنا وحوالينا. ابحث عن "سراج" ليبدد العتمة. لا يأس مع الله. اودع جعفر الطاهر ، واسمعه يكبر هناك فوق المسجد الاقصى ، وفوق بيوت القدس العتيقة ، يكبر مثنى وثلاث ورباع ، واذرف دمعتين ، الاولى حزنا على القدس ، والثانية حبا بالكرك. عينان في رأس واحد. لا يستقيم الرأس والرؤية دونهما. حتى وان كانت دمعة حزينة واخرى فرحة ، في لحظة واحدة.

سلام على الاردن وفلسطين ، ولرجالهما المنذورين لعظيم الامور.

mtair@addustour. com. jo



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات