لحظة مجنونة

شاءت الاقدار في العشر الاواخر من رمضان ان تنجو امراة وابنتاها من حادث سير مروع على طريق شارع الاستقلال.
في ذلك اليوم كان المتبقي على موعد الافطار ما يزيد عن ساعة، وفجأة لمحت سيارة تتجاوزني بسرعة البرق في الجزء الاخير من شارع الاستقلال الذي ينتهي عند جسر النشا. وما ان انتهيت من قول '' ربنا يستر''، واذا بالسيارة تصطدم باحد اعمدة الكهرباء في الجزيرة الوسطية وتطير في السماء بضعة امتار وتسقط على ظهرها وكانني امام عرض للطيران.
ولانها المرة الاولى التي اشاهد فيها هذا '' الاكشن''، فقد هالني المنظر خاصة وان الصراخ بدأ يدب من داخل السيارة حينما استقرت السيارة على يمين الشارع.
في تلك الاثناء لم يخطر ببالي ان احياء سيخرجون من هذا الحادث المروع، ولكن خروج احد البنات من نافذة السيارة وهي تصرخ ( امي .. اختي .. ميشان الله .. وغيرها من عبارات الخوف والهلع) اعاد الي الامل بان الله لا يريد ان يختار في تلك اللحظة احدا الى جواره.
وبهمة من كانوا في المكان استطعنا ان نخرج الفتاة الثانية في حين ان الدماء التي شاهدناها حول جسد الام ارعبنا لاعتقادنا انها قد تكون فارقت الحياة. استفاقت السيدة من ''غيبوبتها اللحظية'' وهي تسال عن فلذات اكبادها فشعرنا بسعادة، ان الحادث مر على خير، وانطفا هلع البنتين وخوفهما على امهما.
المشهد من اول تفاصيله وحتى نهايته، يجعل المرء يكتشف كثيرا من الحقائق. فسيارة الاسعاف وغيرها من اليات الدفاع المدني لم تتمكن من الوصول الى مكان الحادث الا بعد 10 دقائق من لحظة ورود البلاغ عن الحادث، والسبب ليس تلكؤ نشامى هذا الجهاز وانما فضول المارة من المواطنين الذين تسببوا بأزمة سير لا مبرر لها.
ولعل اكثر ما استفزني في ذلك المشهد، سائق ''الونش''، مرار الطريق، الذي اغلق الشارع وعطل مهام رجال الدفاع المدني وسيارة الاسعاف من اجل ان يظفر بـ''30'' دينارا بدل حمل ركام السيارة.
ما جرى في ذلك اليوم كان ممكنا ان لا يحدث، لو ان '' الست الهانم'' التزمت بالسرعة المحددة، وتخلت عن تلك '' اللحظة المجنونة''، التي كادت ان تضيفها وابنتيها الى قائمة الوفيات لولا لطف الله ورحمته.
فهذه المرأة علمتني ان ''ثانية '' كفيلة ان تقلب حياتي من روعة الى مروعة، وان الحد من حرب الشوارع في بلادنا لا يحتاج اكثر من ''صبر تلك الثانية''.