متشائلون» باستئناف الحوار وإتمام المصالحة

يبدو التفاهم بين حماس و"الوسيط المصري" في أحسن حالاته ، برغم الفجوة الواسعة التي تباعد ما بين الجانبين سياسيا وفكريا وتحالفيا ، وبرغم ركام الشكوك والمخاوف والتحسبات المتبادلة.
ولقد ولّد هذا التفاهم توافقا فلسطينيا تلوح إرهاصاته في الأفق ، فالنبرة المتفائلة التي ميّزت خطاب خالد مشعل في القاهرة عقب زيارتيه الأخيرتين لها ، ومناخات الارتياح التي تخيّم على أجواء حماس ، تشير إلى حجم الشوط الذي قطع على هذا الطريق ، بعد أن تبددت عقدة "الموعد المقدس" المضروب في الخامس والعشرين من كانون الثاني ـ يناير القادمة ، وأصبح بالإمكان وضع الانتخابات في سياق المصالحة والانفراج وكتتويج لهما ، لا كوسيلة لكسب جولة في الحرب الدائرة بين الإخوة الأعداء.
عقدة الانتخابات ، قانونا وتوقيتا وإجراءات وضمانات ومناخات ، هي أكثر ما كان يؤرق الحركة ، التي أيقنت كما تقول مصادرها أن حديث الانتخابات ليس سوى كلام حق يراد به باطل ، وأن وراء "الصحوة الديمقراطية" التي تجتاح رام الله ، ما وراءها ، حيث كان الاعتقاد السائد في صفوف الحركة (ولا يزال) يشي بوجود "مخطط" لإخراجها من النظام السياسي الفلسطيني من ذات البوابة الذي دخلت منها إليه: صناديق الاقتراع.
الآن ، وقد نزعت الورقة المصرية "القداسة" عن استحقاق الخامس والعشرين من كانون الثاني ـ يناير القادم ، وتقرر إجراء الانتخابات في الخامس والعشرين من حزيران ـ يونيو المقبل ، وبعد أن تكون عجلة الحوار والمصالحة والتوافق والانفراج قد دارت وتحركت ، فإن الطريق قد باتت ممهدة لإتمام المصالحة ، وإنجاز الاتفاق الفلسطيني الذي انتظرناه طويلا.
ثلاثة صناديق اقتراع ستفتح في يوم انتخابي واحد ، حافل وطويل وتاريخي ، صندوق لاختيار رئيس السلطة ، وثان لاختيار أعضاء المجلس التشريعي وفقا لنظام انتخابي مختلط ، وثالث لاختيار أعضاء المجلس الوطني في الداخل والشتات (مرجح في لبنان وسوريا وبعض المغتربات البعيدة) ، وفقا لقاعدة التمثيل النسبي الكامل ، على أن تتوفر لهذه العمليات الثلاث المتزامنة ، ضمانات النزاهة والشفافية والحياد اللازمة ، لا لضمان سير العملية الانتخابية ومجرياتها فحسب ، بل ولجهة احترام النتائج التي ستسفر عنها أيا كانت ، وهذا هو الأهم.
كما أن ملفات عالقة ، أمنية وحكومية وغيرها ، ما زالت بحاجة لبعض اللمسات الأخيرة التي سيضعها الوسيط المصري خلال الأيام التي تفصلنا عن استحقاق الثامن عشر من تشرين الاأول ـ أكتوبر الجاري ، حيث من المقرر أن تجتمع الفصائل جميعها في القاهرة ، للتوقيع على الورقة المصرية في صيغتها النهائية ، وهي غير الصيغة التي جرى توزيعها على الفصائل مؤخرا.
هذه هي الصورة حتى الآن ، وهي صورة تبدو في ظاهرها ، زاهية وباعثة على التفاؤل ، بيد أن تجارب الأمس القريب والبعيد تدفع المراقب الحصيف دائما إلى توخي التحفظ والحذر ، فثمة مسارات أخرى قد تتعارض مع هذا المسار ، منها على سبيل المثال حصول تقدم في المفاوضات المباشرة وغير المباشرة التي تديرها السلطة مع حكومة نتنياهو ، وبالأخص عبر جورج ميتشيل ، ومنها أيضا ، تحرك "اللوبي" المناهض للوحدة الوطنية في رام الله ، ومنها "قوة الأمر الواقع" في قطاع غزة ، ومنها مآلات الحوار أو الصدام بين إيران والمجتمع الدولي.
كثيرة هي الأفخاخ والمصائد التي ما زالت تعترض طريق الحوار والمصالحة الواقعي ، بيد أن إحساس الديبلوماسية المصرية المتزايد بالحاجة لإدماج حماس في العملية السياسية وإعادة ربط القطاع بالضفة ، حتى لا يصبح "حبة البطاطا" الساخنة التي تحترق بها أصابعها ، هو ما يدفع هذه الدبلوماسية لاتخاذ مواقف أكثر توازنا واتزانا في نهجها "التوسطي" ، وهو إحساس تغذيه وفقا لمصادرنا ، مخاوف تنتاب القاهرة ، من مغبة تفاقم نفوذ "اتجاهات التغريب" داخل السلطة والمنظمة ، وتبدو مطمئنة بأكثر مما ينبغي لـ"الحليف الدولي" عموما والأمريكي على وجه الخصوص ، ما يضعف حاجتها "للشقيق العربي" حتى وإن كان شقيقا كبيرا أو شقيقة كبرى.