صناديق الاقتراع إذ تعيد الاعتبار لـ «الرأسمالية» و«السوق»

تم نشره الأحد 04 تشرين الأوّل / أكتوبر 2009 05:14 صباحاً
صناديق الاقتراع إذ تعيد الاعتبار لـ «الرأسمالية» و«السوق»
عريب الرنتاوي

لم يمض سوى عام واحد ، حتى كانت الأزمة المالية والاقتصادية التي اجتاحت العالم وألحقت باقتصاداته خسائر "فلكية" ، في طريقها إلى الانحسار والتراجع ، وها هي تقديرات بيوتات الخبرة وتكهناتها ، تبشر بقرب استعادة "معدلات النمو" وانتعاش الأسواق وارتفاع أسعار "الخام" و"العقار" و"الذهب" و"الأسهم" ، وإن بتفاوت وتردد.

خلال هذه السنة الصعبة على الجميع ، خصوصا دول العالم الثالث ، انتعشت نظريات اقتصادية تبشر بانهيار الرأسمالية وأفول نجمها ، وتستعجل العودة لنظريات اقتصادية سابقة أو تدعو لتطوير نظريات اقتصادية جديدة ، فمنهم من نفض الغبار عن كارل ماركس وأعاد الاعتبار لـ"رأس المال" ، ومنهم من رأى أن الأزمة جاءت مصداقا للنظرية الإسلامية في الاقتصاد ، أو على الأقل ، حافزا على تطوير هذه النظرية وتعميمها.

لكن أكثر الكتابات جدية ، تلك التي استمهلت إعلان النهاية ، ورأت أن الرأسمالية ما زالت قادرة على تجديد نفسها بنفسها ، وأنها تمتلك في داخلها ، من الأدوات والآليات ما يمكنها من تصويب مسارها ولجم تياراتها الأكثر انصياعا لسوق منفلت من عقاله ، وليبرالية اقتصادية لا حدود لها ولا ضوابط.

ولقد ظن كثيرون ، أن الأزمة ستعزز نفوذ اليسار بتنويعاته وتلاوينه المختلفة ، سواء في قلب العالم الرأسمالي أو على أطرافه ، استشهد بعضهم بموجة اليسار الزاحف في أمريكا اللاتينية ، ورأى آخرون أن الإسلام السياسي ، واستتباعا ، "الإسلام الاقتصادي" إن جاز التعبير ، هو الأكثر تأهيلا لوراثة الرأسمالية العالمية ، خصوصا في "جغرافيا" العالمين العربي والإسلامي.

لكنّ أيا من هذه النبوءات لم ير النور ، ولم يثبت جديته بصورة لا تقبل الدحض والإنكار ، فالرأسمالية في أزمتها الخانقة الأخيرة ، تعافت بسرعة قياسية ، لم تعرفها في أزمات ركود وكساد سابقة ، وهي أظهرت قدرة على التكيف مع الأزمات والتعامل معها أعلى مما ظننا وظن كثيرون ، والمعالجات التي اقترحت لتجاوز الأزمة ، أظهرت أنها جدية وذات جدوى ، برغم الخسائر الموجعة التي تعرضت لها الاقتصاديات الدولية ، وجعلت من "التريليون" رقما متكررا بكثرة في الملاحق الاقتصادية لأخبار الفضائيات والصحف والمجلات المتخصصة.

واللافت للأمر ، أن الانتخابات العامة التي أجريت في أوروبا عشية الأزمة وفي ذروتها وغداتها ، حملت مفاجآت من العيار من الثقيل ، إذ أظهرت تقدم اليمين والقوى الليبرالية وأنصار نظرية السوق ، على الأحزاب اليسارية والاشتراكية - الديمقراطية ، ففي ألمانيا - أكبر اقتصاد أوروبي - على سبيل المثال ، أصيب "الاشتراكي الديمقراطي" بأكبر هزيمة له منذ الحرب العالمية الثانية ، وفاز تحالف الديمقراطيين المسيحيين والليبراليين بأغلبية مريحة ، وسبقت إيطاليا ألمانيا في التوجه نحو اليمين بقيادة برلسكوني ، وقبلها كان اليمين الفرنسي يحتل ممثلا بساركوزي قصر الإليزيه ، ويجاهد جوردون براون اليوم للاحتفاظ بمكتبه حزب العمال في 10 داوننغ ستريت في مواجهة صعبة مع نجم المحافظين الصاعد ، وفي أطراف أوروبا أتت الانتخابات الأوروبية باليمين البرتغالي إلى سدة الحكم ، وجاءت انتخابات البرلمان الأوروبي قبل عدة أشهر كمؤشر حاسم على صعود اليمين في أغلب الدول الأوروبية.

صحيح أن الفواصل والتخوم بين يمين ويسار في أوروبا في طريقها للاضمحلال والامّحاء ، لكن الصحيح كذلك أن الرأسمالية بطبعتها الليبرالية الأكثر "تقديسا" لسلطة السوق وسطوته ، قد ارتبطت بأحزاب اليمين الليبرالية التي يتوالى فوزها في الانتخابات الأخيرة ، وهنا تكمن المفاجأة.

ومثلما كانت أحزاب اليسار والاشتراكيين الديمقراطيين تسجل تراجعا ملحوظا في انتخابات العامين الأخيرين في أوروبا ، كانت "الحركات الإسلامية" الأكثر ترويجا للنظرية الإسلامية في الاقتصاد ، تسجل تراجعا ملموسا في آخر انتخابات جرت في عدد من الدول والمجتمعات العربية والإسلامية ، كالمغرب وتركيا والكويت والعراق والأردن ، الأمر الذي يضيف للجدل حول مستقبل الرأسمالية ، جملة من الأسئلة والتساؤلات الجوهرية التي لا تصب في صالح نعيها ولا تستعجل إعلان وفاتها.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات