إدانة إسرائيل أم إدانة عباس

تأجيل مناقشة تقرير جلادستون جاء بموافقة رئيس السلطة الفلسـطينية محمود عباس لأسباب رآها ولا يريد أحد أن يقيـمها، فهو خضع للضغـط الأميركي الذي قال له بصريح العبارة : إما التأجيل أو الفيتـو في مجلس الأمن، أي أن عباس وضع أمام خيارين: واحد سـيء هو التأجيل والثاني أسـوأ وهو قتل التقرير في وقت مبكر، أو صدور قرار يدين الجانبين الإسـرائيلي والفلسطيني بارتكاب جرائـم حرب وذلك من قبيـل (التوازن) حيث كان عـدم التوازن حجـة أميركا الدائمة في قتـل قرارات إدانة إسرائيل في مجلس الأمن، خاصة وأن تقرير جلادستون يسهل صدور مثل هذا القرار ويساوي بين الضحيـة والجلاد على حد تعبير الناطق باسـم حماس.
من حق القائد السياسي في الظروف الصعبة أن يأخـذ قرارات لا تعجب الناس على ضوء المعطيات التي أمامه، وبخلاف ذلك فإن القائد إنما يفكر في مصلحته الشخصية وشـعبيته بصرف النظر عن النتائج.
يبدو واضحـا أن الرئيس الفلسطيني لا يملك خيارات وأوراقا فلسـطينية أو عربية لفرض الحل المطلوب على إسرائيل، وأن الفرصة الوحيدة المتاحة الآن هو التدخل الأميركي برئاسة باراك أوباما، فلماذا نطلب من عباس أن يجهض هذه الفرصة، ويعطي أوباما عذرا للتملص من التزامه بحجة عدم تعاون السلطة معه، خاصة وأن التأجيل حتى آذار القادم لا يعفي إسرائيل من الإدانـة بل على العكس يبقى التقرير معلقا فوق رأسـها مدة أطول.
على الذين رفعوا أصواتهم بالاحتجاج والاتهـام والتخوين أن يقولـوا لنا ماذا كانوا سيفعلون لو لم يحصل التأجيل، وكيف كان الشعب الفلسطيني سيحصل على حقوقه، وإذا كان بمقدورهم أن يفعلـوا شـيئا فلماذا ينتظرون إدانة إسرائيل من قبل مجلس الأمن أو غيره من هيئات الأمم المتحدة.
يبـدو من صراخ أصحاب الأصوات العالية في الفضائيات كأن محمود عباس بقبوله تأجيل مناقشـة تقرير جلادستون قد أحبط تحرير فلسـطين الذي كان في متناول اليد. وطالما أن ليبيا ستوصل التقرير إلى مجلس الأمن فسنرى النتائج (الباهرة) التي حاول عباس إفشالها.
الظاهرة الصوتية التي نشهدها هذه الأيام ليست وراء إدانة أخرى لإسرائيل تحققت في تقرير جلادستون وأخذ العالم بأسره علما بها، بل إدانـة محمود عباس خدمة لأجنـدة خاصة وكسـبا للشـعبية بأرخص الوسائل.