القدس في وجدان الملك

عندما يرصد المراقب الدولي الحصيف موقف الاردن من اي حدث مركزي فانه بالضرورة يرقب شفتي جلالة الملك ذلك ان ما تنطقان به هو بالضبط ما يمثل الموقف الاردني الاساس وما عداه تفاصيل يمكن الاستغناء عن ايرادها، فالملك في اللحظات الحاسمة يقول القول الفصل الذي يتسق بالضرورة مع السياق الاستراتيجي لمصالح شعوب المنطقة.
وفي سياق العملية السلمية المتعثرة بفعل تطرف قادة اسرائيل لم يكن الاردن ليجامل في ذلك فالحق الفلسطيني وعودته الى اهله هو العنوان لنجاح او فشل العملية السلمية حتى ان معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية ليست حدثا نهائيا معزولا عما يجري في سياقات المسارات التفاوضية سواء في الملف السلمي الاسرائيلي السوري او في سياق العملية مع الفلسطينيين والاردن يرى ان جدوى المعاهدة يتضاءل كلما ابتعدنا عن سلام شامل وهو بالضبط ما قاله جلالته امس: ''إن السلام ( المعاهدة) ليس بالدفء الذي يعتقده البعض، فالعلاقة تزداد برودة... صحيح أن هنالك اتصالات على مستوى الحكومة والمسؤولين لكن أين السلام بين الشعوب''. بمعنى ان معاهدة العام 1994 كانت ستحقق المرجو منها لو انها استكملت في المسارات الاخرى ، أي ان الاردن آمن ولا يزال يؤمن ان السلام كل لا يتجزأ.
ولنقرأ معا سطورا تكتسي معاني غاية في العمق والدلالة حينما ذكر جلالته بأن ''اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية جاءت في سياق العمل على تحقيق السلام في المنطقة''، وبالتالي فأن ''العلاقات لن تتقدم نحو المستويات الممكنة ولن تصل إمكانات المنطقة برمتها إلى مداها إلا إذا تحقق السلام الشامل''.
لقد اهتزت اركان المعاهدة الاردنية الاسرائيلية في محطتين : الاولى حين ارتكبت اسرائيل حماقة محاولة اغتيال القيادي الفلسطيني خالد مشعل وكان الراحل الحسين هدد بان المعاهدة في كفة وحياة مشعل في الكفة الاخرى، والمحطة الثانية هي هذه الايام التي تشهد حماقة اسرائيلية اخرى تمثلت في استفزاز العالم باسره عبر محاولاتها احداث تغييرات احادية في القدس واستفزاز مشاعر الفلسطينيين والعرب وسائر شعوب العالم فالملك قال بالحرف : ''أن هذه الإجراءات لا تهدد فقط بهز علاقات إسرائيل بالأردن، الذي له دور خاص في القدس أقرته معاهدة السلام، ولكن بتفجير نقاط اشتعال في كل أنحاء العالم الإسلامي وتقويض الجهود المبذولة لإطلاق مفاوضات السلام.
المثير للحزن على المستوى الوطني انه يجري القفز عن كل هذه المواقف النبيلة لمصلحة تكريس خطاب شعبوي ضيق الافق لاوطني يفتقر لابسط متطلبات الحكمة تنطلق من افواه لا تجيد غير السباب وكيل الشتائم للاعداء وكأن رب العزة ينتظر ادعيتهم ليشتت شمل العدو ويمزقهم شر ممزق.
لم يجسر هؤلاء مواقفهم مع الموقف الرسمي الذي صاغه الملك ليظهر الاردن رسميا وشعبيا على قلب رجل واحد بل ارادوا ان يكرروا الموقف الرسمي بمفردات اخرى ليوهموا الرأي العام بانهم الاحرص على القدس والمقدسات من غيرهم، وهو موقف مؤسف لا يصدر الا ممن في بصره ضعف او في بصيرته مرض او ران على قلبه.
لقد صنع الموقف الرسمي الذي صاغه الملك ازاء القدس والمقدسات سقفا لكل الخيرين ليتسابقوا في اغنائه لا في التشكيك فيه وافقاده حيويته والصادق من كان صادقا مع نفسه وراقب شفتي جلالته وهما تنطقان موقفا اردنيا حاسما صارما لا يقبل تعدد القراءات والتأويل.جملة القول ان بقيت هذه الفئة تحاول احتكار الخوف على القدس والمقدسات وتتجاهل الحقائق الدامغة المتمثلة في الموقف الهاشمي فانها ستخسر الرأي العام وستطويها العزلة لان الشارع يعرف ويقرأ ويقدر ما يقوم به الهاشميون تجاه قدس الاقداس.