التصريحات الملكية: أول مراجعة معلنة لواقع معاهدة "وادي عربة"

استثمر الملك عبدالله الثاني معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، ومكانة جلالته ومصداقيته كمدافع موثوق عن مستقبل السلام وأمن واستقرار المنطقة؛ لمخاطبة الشارع الإسرائيلي مباشرة، متجاوزا حكومة يمين اليمين المتطرفة، ومحددا الحقائق الواجب التعامل معها، على أرض الواقع، وفي ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، وتراجع فرص السلام الشامل.
في مقدمة المعطيات التي قدمها جلالة الملك، ما يتعلق بالمعاهدة الأردنية- الإسرائيلية، نفسها؛ موضحا جلالته أن هذه المعاهدة ، لن تبقى، وحدها، ما يحكم شكل العلاقة بين الأردن وإسرائيل؛ طالما أن هذه العلاقة لم تصبح، كما كان مفترضا، جزءا من عملية سلام شاملة، لا مجرد اتفاق منفرد؛ ما يطرح سؤال جدوى المعاهدة ، مع وجود طرف لا يؤمن إلا بالتكتيكات الآنية، ويصدر عن معايير وحسابات الرؤية الضيقة، والهواجس المعقدة، ويغلب على تفكير قادته قصر النظر، والعجز عن التعامل الإيجابي مع استحقاقات المستقبل الواعد، بثقة.. وبعيدا عن الأوهام والهواجس والتشوهات الفكرية.
هذه التصريحات الملكية، في هذا الجانب، بالذات، تمثل: أول مراجعة معلنة، وصريحة، لواقع معاهدة وادي عربة وفرص مستقبلها؛ من حيث أن المعاهدة، كما يراها الأردن: ليست هي، فقط، ما يجب أن يحكم شكل العلاقة مع الإسرائيليين، طالما أنه لا يمكن تطويرها، وبالتالي: مراعاة وجودها، لآخر لحظة، لدى صانع القرار الأردني. ومثل هذا الإعلان، قد ينظر إليه من زاوية التحليل السياسي، بوصفه؛ تحولا مفصليا، في مسار العلاقة الأردنية- الإسرائيلية، منذ توقيع المعاهدة التي دخلت مرحلة البرود، وتاليا: الجمود.
لقد قدم جلالة الملك، في تصريحاته الأخيرة، للصحيفة الإسرائيلية، خلاصات مهمة، بل هي الأهم، بخصوص مستقبل التعاطي مع إسرائيل. ولعل أهم هذه الملاحظات؛ هو ما يتعلق بالموقف إزاء حقيقة النظرة الإسرائيلية لعملية التسوية؛ فإسرائيل، كما أثبتت الوقائع: لا تناور ولا تتهرب من استحقاقات عملية التسوية لغايات تحسين شروطها أو بهدف انتظار فرصة أفضل للسير باتجاه السلام.. لكنها، ترفض التسوية من حيث المبدأ، ومن أساسها الذي بنيت عليه. وليس لديها أية نية معلنة أو حتى مضمرة للقبول بتسوية، حقيقية، وفق الشرعية الدولية ومرجعيات العملية السلمية. وهذه الإدارة الإسرائيلية، ما زالت محكومة، وأسيرة أسطورة القلعة ، واختارت العيش داخل أسوارها؛ بل وأقامت لها جدارا، هو جدار الفصل العنصري. وقد هيمنت الذهنية العنصرية اليمينية على أغلبية الشارع الإسرائيلي، بما يمكن اعتباره انزياحا إسرائيليا تاريخيا بالموقف من العلاقة مع العرب.
.. حديث جلالة الملك عبد الله الثاني حول معاهدة وادي عربة، وأنه كان من المفترض لها أن تكون جزءا من عملية تسوية شاملة بالمنطقة، وهي الآن تزداد برودا . وفي هذا مؤشر صريح على أن الأردن لن يكون إلا سندا وداعما لأية جهود عربية مشتركة، وفي سياق التضامن، وبالحد الأعلى؛ خصوصا بعد انتهاء صيغة حلفي: الممانعة و الاعتدال التي سادت على امتداد مرحلة ولاية الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.. ما يعني مرحلة جديدة، نوعيا، يدخلها الأردن، في إدارة علاقاته السياسية.
abdromman@yahoo.com