كيف تؤلف كتابا في ليلة واحدة؟

كنت أحسبه هازلا ، وهو يُبلغني قراره "التاريخي" بالتوقف بشكل تام عن مناقشة زوجته في أي موضوع ، خلافيا كان أو إشكاليا ، كم من الأيام جاءني وهو محمر العينين ، مشوش النظرات ، أسأله: ما بك: فيقول لي: زوجتي، وأسال: ما بها: طوشة جديدة؟ فيقول: جدال ساخن لا يُفضي إلى شيء ، طلع الفجر علينا ونحن نُعيد ونَزيد ، ولكن بلا طائل. وأسأل مجددا: ما القصة؟ علام أنتما مختلفان؟ فيجيب بغموض: مش عارف ، نسيت ما أصل المشكلة ، حوار متشعب ، قصة تُفضي إلى أخرى ، لو سجلنا الحوار على "كاسيتات" وفرغناه إلى نص ، لتجمع لدينا كتاب بحجم كتاب البخلاء للجاحظ ، أو كليلة ودمنة لابن المقفع ، باستطراداتهما ، وتفرعاتهما ، وإفضاء كل قصة إلى قصص ، تتفرع بدورها إلى تفصيلات وحوادث ومشكلات وشكاوى ، إنها لوحة صوتية سوريالية ، لا تعرف أين تبدأ ولا كيف تنتهي ، وفي الختام تتعب ، ويتضخم دماغك ، ولا يقوى على مزيد من الاستيعاب ، فيثقل رأسك ، فإما أن تنام على وجهك "كفًي" مع كثير من "الوش" و"الزن" أو ترتدي ملابسك وتهيم في الشوارع بانتظار وقت الدوام ، أو.. وأطلق صاحبي تنهيدة طوووويلة جدا ، سألت: أو؟ فقال: تفعل مثلما فعلت بالأمس ، الضرب على رأسك حتى تخر واقعا كالذبيحة ، وأنت أقرب من أن "تغوطن" أو يُغشى عليك،.
أسندت ظهري إلى الأريكة ، وأخذت نَفَسًا عميقا ، وسألته: وما كُنه قرارك التاريخي ذاك؟ قال: ببساطة شديدة ، بعد أن خُضت معها ملحمة من الحوار والنقار ، وفي أكثر من واقعة ، اكتشفت أنني أحرث في البحر ، فكل جدالاتنا بلا فائدة ، ولا يتمخض عن أي حوار إلا فتح الباب لحوار جديد ، بلا نتائج أو استخلاصات ، لهذا قررت أن أتحول إلى زوج مسالم أو بالتعبير الدارج "حج مطاوع" أوافقها على كل ما ترى أو تريد أو تقترح ، أو تَسْعُل ، بلا نقاش أو مجادلة ، بل تكرار كلمة "حاضر" أنا يا صديقي أرفع رايتي البيضاء ، وأستسلم ، أكثر من هذا قررت أن لا أنفعل أو أو "أتنكد" ليس معها فقط ، بل مع جميع من حولي ، بعد معاركي الطاحنة مع زوجتي "تربيت" أن لا أنساق وراء شهوتي الأزلية في الجدل والنقاش ، وأن "ابيعها براس مالها" لأن بديل هذه السياسة "الحكيمة" الجلطة ، والإصابة بعطل في أحد الأعضاء ، وربما قضاء بقية العمر مشلولا أو مُعاقا ، وأنا لا أريد أن أصل إلى هذه المرحلة،.
حرت فيما أقول له ، واستذكرت حواراتي الخاصة المشابهة ، ووجدت وجاهة كبرى فيما استخلصه صاحبي إلى حد ما ، فأنا والحمد لله لا أعيش تجربته المريرة ، ولكنني أحيانا أصل إلى حافة مشابهة ، واستذكرت صاحبا كان فريدا في تعامله مع زوجته ، ففور أن تبدأ في "الرغي" ينسحب إلى ملاذ آمن ، ويضع في إحدى أذنيه طينا وفي الأخرى عجينا ، وتذكرت أيضا قصة شاعر مشهور جدا ، لم يصمد في تجربة الزواج غير شهر واحد ، وحينما سُئل عن سر انفصاله عن شريكته ، قال أن ما يبذله من جهد عاطفي في طوشة واحدة مع زوجته يكفي لتأليف ديوان شعر ، وتذكرت أيضا نصيحة سقراط لأحد تلاميذه حينما أخبره بنيته في الزواج ، فقال له: تزوج يا بني فإن كانت زوجتك جيدة عشت حياة هانئة ، أما إن كانت نكدة وسيئة كزوجتي فستصبح فيلسوفا مثلي ، وتذكرت أيضا قول الشافعي رضي الله عنه حينما قال: ما جادلت عاقلا إلا غلبته ، وما جادلت جاهلا إلا غلبني،.
رويت لصاحبي "مخزوني" هذا مما تذكرت ، لكنني للانصاف قلت له ، أنني لم أستمع لزوجتك بعد ، فلئن كنت تشكو أنها قلعت إحدى يعينيك ، فلا أدري فلربما تكون قلعت عينيها الاثنتين،.