المرسوم الرئاسي : خطوة إضافية نحو الهاوية

نريد أن ننظر لقرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس إجراء الانتخابات الفلسطينية في كانون الثاني المقبل ، بوصفه "إجراء شكليا" يلاقي ما تعتقده السلطة في رام الله "استحقاقا دستوريا" ، سرعان ما سيلحقه بمرسوم آخر يعلن فيه تعذر إجراء الانتخابات العامة وتأجيلها.
وفي أسوأ الأحوال ، نريد أن نقرأ هذا "المرسوم الرئاسي" كحلقة في مسلسل "النكايات" الفلسطينية الداخلية" وكإجراء ضاغط على حماس ومحاولة لتحميلها وزر انهيار الوساطة المصرية وانتكاس المصالحة الفلسطينية ، ولا نريد أن نصدق ، ولا نرغب أن نصدق ، بأن رئيسا فلسطينيا وقع الانقسام الفلسطيني الأسوأ في عهده ، سيشرف على تنظيم انتخابات في الضفة من دون القطاع ، وأن يذهب بالانقسام الفلسطيني الى نقطة اللاعودة سياسيا وقانونيا ودستوريا.
ينحو الخطاب الفلسطيني الرسمي إلى جعل الانتخابات ، مبتدأ الجملة الفلسطينية وخبرها ، مع أن انتخابات مجزوءة ، وفي مناخات الانقسام ، لن تفضي إلا لتعميق هذا الانقسام وتكريسه ، ولن تمنح شرعية لأحد ، بل وسينظر إليها من قبل الغالبية العظمى من الفلسطينيين ، بوصفها خطوة في سياق "الصراعات والمماحكات" الداخلية ، وكنا نأمل كما ملايين الفلسطينيين والعرب ، لو أن الانتخابات تجري في سياقات إتمام المصالحة وتعميق التوافق.
الذين استعجلوا "الاستحقاق" يردون استعجالهم عادة إلى واحد من سببين: وطني بمعنى الحرص على ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي لتمكينه من مواجهة التحديات الإسرائيلية القادمة ... وديمقراطي ، بمعنى أن الانتخابات هي أداة تجديد السلطة و"شرعنتها" وتداولها بين الفرقاء المختلفين.
وفي نظرة إلى السياق العام الذي ستندرج فيه الانتخابات الفلسطينية المقبلة ، إن تمت في موعدها المحدد وفقا لـ"المرسوم الرئاسي" ، فإنها لن تخدم أي من الوظفيتين المذكورتين: وطنيا ، من المنتظر أن يزداد البيت الفلسطيني انقساما واحترابا ، وسندخل في دوّامة الخطوات الأحادية والخطوات الأحادية المضادة وديمقراطيا فإن انتخابات اللون الواحد ، على جزء من الوطن المحتل ، ومن قبل ربع الفلسطينيين فقط من دون احتساب المقاطعين والممتنعين عن الإدلاء بأصواتهم ، لن يمنح الفائز فيها ثقة أكثر من عشرة بالمائة من الفلسطينيين ، ولا أدري عن أية شرعية نتحدث والحالة كهذه.
وتزداد الشكوك حول النوايا الكامنة وراء "المرسوم" حين نعرف أن أكثر الناس استعجالا للانتخابات في رام الله ، الأكثر ميلا واستسهالات لتقديم التنازلات على مذبح "المفاوضات حياة" ولقد شهدنا في جنيف مؤخرا آخر "إبداعاتهم" حين تعلق الأمر بـ"تقرير غولدستون" ، وهم الذين لم يسبق لهم أن ذرفوا دمعة واحدة على "الديمقراطية المهدورة" و"الدستور المستباح" ، عندما أرجئت الانتخابات لست سنوات عن موعدها المقرر بموجب رزنامة أوسلو ، وعندما مدد للرئاسة والمجلس التشريعي كل هذه المدة ، مع أنهم كانوا في السلطة والقيادة ، وكانوا يمثلون تيار الأغلبية فيها.
مؤسف أن تتحول الانتخابات إلى أداة في الصراع الفلسطيني الداخلي بدل أن تكون وسيلة لتنظيم الاختلاف وتقنين التداول السلمي لـ"السلطة" ، ونضع السلطة بين "هلالين" ، لأننا نستكثر على السلطتين في رام الله وغزة ، هذا الوصف ، فالأولى رازحة تحت نير الاحتلال جائر والثانية تكاد تختنق بالحصار الظالم.
وخلاصة القول ، أن الساحة الفلسطينية خطت خطوة إضافية نحو الهاوية بصدور "المرسوم الرئاسي" بالأمس ، وهي تقف اليوم على حافتها ، والمأمول أن يجري العمل بكثافة ، فلسطينيا وعربيا ، لمنع انزلاقتها إلى "قعر الهاوية" ، فإجراء الانتخابات في الضفة دون غزة ، وفي سياق المواجهة بين فتح وحماس ، هو الحضيض الذي لا يرغبنّ أحد بسقوط الفلسطينيين فيه ، خصوصا إن صدقت المعلومات عن "نصائح" أمريكية ممنوحة للسلطة تقضي بإدارة الظهر لحماس حتى تفتح الأخيرة ذارعيها لشروط الرباعية الدولية الثلاثة ، وهي "نصائح" غالبا ما تغلب بالتهديد بالانسحاب من عملية السلام ووقف المساعدات وترك الفلسطينيين لقبضة نتنياهو - ليبرمان - باراك ، وغالبا ما تعطي أُكلها المُرة.