برود.. خيبة أمل وانزلاق نحو الظلام

تمر الذكرى الخامسة عشرة على توقيع المعاهدة الاردنية
الاسرائيلية، ولا اجد اكثر بلاغة ودقة في وصف الواقع الحالي من
ثلاث عبارات وأوصاف تضمنتها تصريحات الملك خلال الفترة الاخيرة،
وهي عبارات يصدرها رأس الدولة بعد هذه الاعوام الطويلة على توقيع
المعاهدة.
العبارة الاولى جاءت ردا على سؤال لصحيفة هآرتس الإسرائيلية
مؤخرا حول تقييم الملك للعلاقة الاردنية الاسرائيلية فأجاب
"بأنها تزداد برودا".
ذلك حمل رسالة للطرف الصهيوني بأنه يمارس سياسات جعلت هذه
العلاقة وثمارها باردة بل وتزداد برودا لأن تلك السياسات مستمرة
وموغلة في قتل فكرة السلام حتى لدى أكثر الاطراف ايمانا وعملا
لعملية السلام.
والعبارة الثانية جاءت في نفس المقابلة عندما تحدث الملك عن
المستقبل وقال إن المنطقة "تنزلق نحو الظلام"، والسبب هو
السياسات الصهيونية التي تذهب نحو التطرف بشكل متسارع وتعبث بكل
المبادرات وتمييع كل ما يفعله العرب والفلسطينيون من مبادرات
وأحاديث عن السلام، بل وتقابل كل مبادرة عربية بعدوان واعتداءات
وقتل وحصار، حتى المقدسات تخضع لعمليات إساءة وتهويد وتدنيس من
الحكومات والمستوطنين الصهاينة.
والعبارة الاخيرة كانت قبل ايام خلال زيارة الملك الى روما عندما
قال انه "يشعر بخيبة امل"، والسبب تعثر كل الجهود التي تبذل لبعث
الحياة في عملية السلام، والعبارات او الاحكام الثلاثة التي
تضمنتها تصريحات الملك تمثل قناعات صنعتها السياسات الاسرائيلية
في قائد بلد يمارس دعما متواصلا لفكرة الحل السياسي للصراع
العربي الصهيوني، وزعيم دولة تربطها معاهدة سلام مع اسرائيل منذ
خمسة عشر عاما.
وفي المناسبة السنوية للمعاهدة اخترت الوقوف على هذه الاحكام في
التصريحات الملكية، والتي حملت رسائل مباشرة ايضا الى الطرف
الاسرائيلي لأقول إن اسرائيل لم تنجح فقط في إفشال كل الجهود
التي بذلت، بل ايضا تمارس زراعة قناعات عند اهم اطراف معسكر
السلام بأن اسرائيل هي العدو الحقيقي للسلام والتسوية وأنها هي
الخصم العملي الذي يحول فكرة السلام الى وهم، فهي المعارضة
الحقيقية للسلام وهي من تزرع لدى الشعوب والقادة القناعة بأن
فكرة السلام تواجه قتلا متعمدا من طرف اساسي فيها وليس من اي جهة
اخرى.
في ذكرى توقيع المعاهدة نسجل لكيان الاحتلال الصهيوني أنه نجح
باقتدار في إزالة حماس او ربما وهم كان لدى بعضنا نحن العرب بأن
المسافة التي تفصلنا عن السلام هي المواقف العربية، لكن بعد ان
قدم العرب مبادرتهم التي قدمت الاعتراف والاستعداد للتطبيع فإن
القناعة الأهم ان عدو السلام حتى بشروط الحد الادنى هو الاحتلال.
اما على الصعيد الثنائي فإن الاحتلال، وسفارته في عمان، يدرك حجم
الرفض لها ليس فقط من متظاهرين في بعض المناسبات بل من عامة
الناس، ويدرك اننا ندرك الدور السلبي الذي تمارسه تلك السفارة
بما فيه تحريض الدول على مصالح اردنية عليا مثل المشروع النووي
السلمي، وندرك كم هي المماطلة في الافراج عن اسرانا في سجون
الاحتلال وندرك ما فعلته اسرائيل في مياهنا بما فيه العام الحالي.
لم نعد بحاجة لنقسم لنفسنا بين مؤيدين ومعارضين للتسوية، لأن
استمرار السياسة الاسرائيلية يجعلها العدو الحقيقي حتى للسلام
الظالم فضلا عن السلام العادل، فإذا كانت العلاقة الرسمية تزداد
برودا فإنها شعبيا دخلت مرحلة الموت باستثناء عمل بعض تجار
وأصحاب مصالح خاصة ليس مهما بالنسبة لهم اوطان ولا حقوق بل
حسابات وأموال أو علاقات في الظلام!
sameeh.almaitah@alghad.jo