معلومات سرية عن " قناة البحرين " !

تم نشره الأحد 02nd آذار / مارس 2014 12:09 صباحاً
معلومات سرية عن " قناة البحرين " !
د . فطين البداد

صدع دعاة الكفاح المسلح من غرف الفنادق ، وغلاة الوطنيين من متعصبي القُطرية والإقليمية وغيرهم من ذوي العقل السقيم والفهم العديم ، رؤوس الشعب الأردني بما توهموه بمشروع البحرين : الأحمر - الميت ، وجاؤوا بكل ما تحمل معاجم اللغة من مفردات التهويل والتأويل ، وصوروا الأمر على أنه مشروع صهيوني إمبريالي زئبقي انبطاحي عميل ، وإن من شأن مد أنبوب من الأحمر إلى الميت أن يغرق الأغوار وأن يضرب الإنتاج الزراعي وأن يقضى على السياحة ، مع أن هؤلاء لا يعرفون طبيعة هذا المشروع ، بل ولا مراحله التاريخية التي مر بها .

ولكي يقرأ الأردنيون معلومات ، كما عودت أحبائي كل أحد ، فإني أنشر هنا قصة قناة االبحرين من " طق طق " إلى " السلام عليكم " كما يقال ، مؤكدا بأن هذه المعلومات التي ترد تباعا لا يعرفها سوى قلة لا تتجاوز أصابع اليدين ، تبينتها - كإعلامي - من خلال جلسة مغلقة أرى أنه ما من بأس في فتح بابها على مصراعيه :

تاريخيا ، ومنذ احتلال الكيان العبري لفلسطين وإعلان دولته في العام 1948 ، كان للإسرائليين مقترحات حول المياه ، أبرزها شق قناة بين المتوسط والميت ، ولما أصبح هذا الأمر جديا ، ولما له من أثر على الأردن ، ونقصد جميع أنواع الأثر هنا : السياسي والإقتصادي والبيئي وغيره ، فقد تقدم الأردن في العام 1978 لمجلس الأمن بمشروع مضاد تبنته المجموعة العربية بالإجماع ، ويقضي بنقل المياه من الأحمر إلى الميت ، وبقي الموضوع بين أخذ ورد وجدال مع الإسرائيليين في الأروقة الدولية إلى حين توقيع البلدين على اتفاقية السلام في العام 1994 ،وقبل التوقيع تخلل المفاوضات ضغط أردني يدفع باتجاه تضمين اتفاقية وادي عربة فصلا عن ما يعرف بمشروع البحرين ، وبالفعل ، تمكن الأردن من إقناع إسرائيل بمشروع الأحمر - الميت ، بحيث تضمنت الإتفاقية ذلك بالإسم .

وبغض النظر عن تعويض هذا المشروع كمية من المياه التي يفقدها البحر الميت سنويا ( حوالي المتر ) ، فإن هدف الأردن الرئيس منه سقاية شعبه وخاصة في الشمال ، ومن ثم المحافظة على بقاء البحر الميت " حيا " ، فلقد قالت المعلومات غير المعروفة سوى للقلة وأنا أحدهم ولا فخر : إن الدراسات ظلت تجرى لغاية العام 1997 ، ولما أصبح الموضوع جديا ، جاء نتنياهو رئيسا لوزراء إسرائيل في العام 1997 ، وفي نفس العام قام بفعلته وحاول اغتيال خالد مشعل على الأرض الأردنية ، وبعدها توترت العلاقات بين الطرفين ، وتجمد المشروع من 1997 إلى 2001 ، حيث كانت دراسات حوض الديسي قد اكتملت في العام المذكور .

بعد ذلك ، وجد الأردن فرصة لا تعوض في قمة الأرض البيئية التي عقدت في جوهانسبرغ في سبتمبر 2002 ، حيث وظف الأردن القلق العالمي من نضوب مياه البحر الميت لكونه تراثا عالميا ودينيا وأثار القضية أمام العالم ، وأجدني أفشي سرا هنا كشفه لي سياسي أردني عريق لا أعتقد بأن إخفاءه يخرب مالطا ، وهو أن الطرف الإسرائيلي وافق على أنبوب البحرين هذا في معزل عن الفلسطينيين ، غير أن الملك عبد الله الثاني أصر أن يكون الفلسطينيون طرفا في هذا المشروع ، ذلك لأن جنوب الضفة يعاني شحا كبيرا في المياه والناس عطاشى ، وللعلم : فإن الجنوب الفلسطيني تصله المياه مرتين في الشهر على أحسن تقدير : ففي ذلك الوقت ، كان الأردن يتحدث عن مشروع كبير ( قناة ) ينقل فيها كميات كبيرة من مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت ـ واستمرت المناقشات مع الجانب الإسرائيلي من العام 2002 إلى العام 2005 فتم استبدال القناة بأنبوب في المرحلة الأولى ، ودارت نقاشات وحوارات ساخنة بين الأردن والإسرائيليين حول دور الفلسطينيين في هذا المشروع ، وكان الجانب الإسرائيلي يرفض أن يكون الفلسطينيون شركاء فيه : فقد أصروا أن يتواجد الفلسطينيون بصفة " مستفيدين " وليسوا " شركاء " واستمر الأردن بالضغط ، إلى أن تم الإتفاق في شهر أيار من العام 2005 على أن يكون الفلسطينيون شركاء .

وقد بدأت الدراسات الفعلية للمشروع من قبل مستشارين عالميين في العام 2008 ، حيث أجريت ثلاث دراسات : اقتصادية وفنية ، دراسات بيئية " عادية " ، ودراسات بيئية معمقة لخطورة أو عدم خطورة خلط مياه الأحمر بالميت ، وكانت شائعات قد راجت عن أن خلط مياه الأحمر بالميت سينتج عنه رائحة مؤذية ، وأن لون المياه سيتغير ، وانتهت الدراسات في شهر حزيران من العام 2013 ، وخلصت إلى أن المشروع مجد من النواحي الإقتصادية والبيئية والفنية ، وأوصت الدراسات أن يقوم الجانب الأردني بخلط 500 مليون متر مكعب من مياه الأحمر بالميت ، ومن ثم تجرى دراسات إضافية .

ويعترف مسؤول أردني في الغرف المغلقة : أن الجانب الإسرائيلي لديه مشكلة في تزويد إيلات بالمياه ، فالقوانين الإسرائيلية تمنع طرح المياه العائدة من أي تحلية في مياه خليج العقبة لكي لا يؤثر ذلك على المرجان وغيره ، وهو عكس ما يحدث في محطات التحلية الإسرائيلية في حيفا وغيرها من المدن الفلسطينية ، حيث يتم طرح المياه المالحة الناتجة عن التحلية في البحر ، ومن أجل ذلك فإن الإسرائيليين بحاجة لمياه عذبة سينالونها من محطة التحلية الأردنية في العقبة ، والتي ستقام وفق هذا الإتفاق . ( تفاصيل أوفى في سياق هذه المقالة ) .

ولكي يكون القارئ العزيز قريبا جدا من المشروع ، فإن كل المعلومات " التاريخية والراهنة " تؤكد أن الجانب الإسرائيلي أوقف اعتماده على نهر الأردن وبحيرة طبريا لاعتبارات ذات علاقة بالتسويات النهائية الإقليمية ، فمنذ زمن ، استبدل هذه الإستراتيجية بمحطات تحلية على البحر المتوسط ، ولدى إسرائيل اليوم محطات تنتج 750 مليون متر مكعب من المياه سنويا ، وبكلفة تحلية هي الأرخص في العالم بالنسبة لهم وذلك بسبب التكنولوجيا الإسرائيلية ، بحيث يصل سعر المتر المكعب من مياه الشرب المحلاة في إسرائيل إلى 53 سنتا أمريكيا فقط ، أي ما يقرب من 35 قرشا أردنيا ، بمعنى : أن الذي طلب ويطلب والذي هو بحاجة لمحطة تحلية في العقبة هو الأردن ، وعليه : فسيتم مقايضة مياه شرب إيلات بمياه ينالها الأردن من بحيرة طبريا ، ولهذه قصة أخرى :

هل يعلم الأردنيون : أن أربد وعجلون وجرش والمفرق هي أكثر المحافظات معاناة بسبب الجفاف والعطش ، رغم أن الآبار الإرتوازية تعمل بأقصى طاقتها وفوق درجة الأمان المسموح بها بأضعاف ، ومن أجل ذلك ، فإن المعنيين بالمياه في الأردن " ركبوا " وصلة في الأنابيب قادمة من نفس أنبوب الديسي لتغذية هذه المحافظات ، أي أن هذه المحافظات تشرب الآن من الديسي ، وتقول الدراسات : إن ذلك ، ووفق ما هو متفق عليه مع الجيران العرب ، فإن هذه الوصلة ستستمر خمس سنوات فقط بموجب اتفاق مع الجوار ، حيث لا يوجد مياه جوفية كافية على المستوى المتوسط ، بل ما رأيكم إذا علمتم بأن المياه الجوفية الأردنية ستنضب خلال العشر سنوات القادمة ( باستثناء الديسي ) وهذه معلومة وصلتني من وزير للمياه ، ومن أجل الضغط المائي وشح توفر المياه أصر الأردن على الإسرائيليين بإنشاء محطة تحلية شمال مطار العقبة .

باختصار : سينشئ الأردن محطة تحلية في العقبة يمنح إسرائيل من مياهها المحلاة ما يقرب من 30 مليون متر مكعب ، مقابل 50 مليون متر مكعب تمنحها إسرائيل للاردن من بحيرة طبريا وتنقل هذه المياه إلى الخزانات عبر قناة الملك عبد الله لسقاية المحافظات الشمالية العطشى ، أما المياه المالحة التي ستنتج عن التحلية ، فسيتم نقلها عبر الأنبوب إلى البحر الميت .

ويغيب عن بال البعض : أن هذا المشروع لا يتحمل أي تأجيل ، ذلك أنه لا بدائل للأردن بسواه ، إذ تقول معلومات في وزارة المياه أنه وفي اليوم الأول من شهر تموز الفائت 2013 كانت الأنابيب فارغة أو شبه فارغة في أغلب محافظات الأردن ، إلى أن ضخت مياه الديسي في الأول من رمضان 14 - 7 - 2013 ، ولولا الديسي لضربت الأردن كارثة كبرى ، حيث بدأ الناس يخرجون إلى الشوارع في اعتصامات ومظاهرات بسبب انقطاع المياه عن بيوتهم ، وتكشفت معلومات لا أعتقد أن مسؤولا سيعلنها وهي أن مياه الديسي ليست أردنية خالصة ، وإن لدى دول الجوار شأنا بها خاصة وأنه حوض حدودي ، ويبدو أن استثماره بطريقة " مفتوحة " سيضرب العلاقات الثنائية و يؤثر عليها تأثيرا لا يرغب الأردن به لأن " اللي فيه يكفيه " كما يقال .

والذي يثبت بأن هذا المشروع اقتصادي بحت وليس سياسيا ، هو أن الجهة التي كلفت فيه هي وزارة المياه ، وليس وزارة الخارجية أو رئاسة الوزراء .

أفبعد كل هذا سنرى ونسمع من يصيح في الإعلام وغير الإعلام : إن محطة التحلية في العقبة هي خطة إسرائيلية لشطب الأردن عن الخريطة .

ولنتذكر ، بأن الموسم المطري هذا العام يعاني من القحط والجدب ، وأعتقد بأن محطة تحلية في العقبة تنقل مياهها المالحة إلى البحر الميت طريقة عملية ما دمنا سنحصل على 50 مليون متر مكعب سنويا من المياه لمحافظات الأردن في الشمال ، ولا يقولن قائل : إنه كان بالإمكان تحلية المياه وضخها كلها إلى الشمال ، وهذا مستحيل ، ذلك أن تكلفة نقل المياه من محطة التحلية في العقبة إلى عمان - مثلا - تصل إلى 3 دنانير أردنية لكل متر مكعب ، بينما يلعب قصر المسافة من طبريا إلى المحافظات الشمالية الدور الأساس في جعل تكلفة معالجة مياه بحيرة طبريا لا تتعدى الـ 30 قرشا للمتر المكعب.

إن على المعارضة الإسلامية وغيرها ممن أصدروا بيانات ضد هذا المشروع أن يدلونا على الطريقة التي توفر لنا مياها تكفي المحافظات الشمالية ، وتكفي أيضا 9 ملايين إنسان يعيشون في الأردن من لاجئين ومواطنين وضيوف ( لا تستغربوا العدد فلقد كشفه لي وزير عامل في حكومة النسور ) .

د . فطين البداد 

 fateen@jbcgroup.tv

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات