وعد بلفور: لعبة الموت بحبكة بريطانية

كان وعد بلفور العام 1917 محملا بدلالات نهائية لاستفزاز التاريخ العربي ليراكم شرارات اشتعال ستأخذ مدياتها الزمنية حتى تصير انفجارا تحرق بها سيدة الشهداء فلسطين برتقالها وجذوع اشجارها لتقتل الموت الجاثم على صدرها منذ 62 عاما.
كان بلفور وفياً لفكرة "إنشاء وطن" لليهود، يجمع شتاتهم ويكون حارسًا لمصالح دول الاستعمار في الشرق، تلك النبوءة التي تعود الى ما قبل عام الغزو الفرنسي لمصر 1798، حين وجه الجنرال خطابا إلى يهود الشرق؛ داعيا اياهم ليكونوا عونًا له في بلادنا.
هجس جنرال فرنسا والغرب الاستعماري بالاستحواذ على الشرق التقطه الصهاينة اليهود لانتزاع وعد أوروبي باقامة وطن لهم، وهو ما عبر عنه بوضوح المفكر اليهودي موسى هس، معتبرا أن "فرنسا لا تتمنى أكثر من أن ترى الطريق إلى الهند والصين وقد سكنها شعب على أهبة الاستعداد لأن يتبعها حتى الموت"" متسائلا عما اذا كان هناك أصلح من الشعب اليهودي لهذا الغرض؟!
على تخوم القرن التاسع عشر انتقلت الصهيونية بقيادة مؤسسها تيودور هرتزل من مرحلة التنظير إلى التنفيذ، خصوصا بعد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل 1897.
في مسعاهم الحثيث لتجسيد فكرة الوطن نحا تفكير الصهاينة الاوائل صوب مصر فحددوا منطقة العريش، بيد أن مساعيهم باءت بالفشل، لتصير فلسطين تحت مجهر الغزاة، وكانت اولى خطواتهم ابتزاز تركيا العثمانية لانتزاع وعد بانشاء وطن لليهود في أرض العرب، وحاول هرتزل رشوة السلطان عبد الحميد بعشرين مليون ليرة تركية، لكنه رفض واتبع هذا بما يشير الى توقعه قيام وطن لليهود في فلسطين بعد تقسيم رجل اوروبا المريض.
لم يشكل رفض عبدالحميد انكفاءة للمسعى اليهودي، بل زاده دفقا باتخاذه الساحة الاوروبية لنشر الفكرة فيها، خصوصا بين النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كان الصهيوني آرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني آنذاك متحمسا لتبني بريطانيا انشاء وطن لليهود في فلسطين، حيث تركزت ابتداء على مفهوم إيجاد ملجأ للمضطهدين من اليهود المهاجرين، ولكن الجانب الصهيوني عارض هذا الاتجاه، واستقر الطرفان أخيرا على مشروع الوطن القومي، وهو ما أقدمت عليه بريطانيا بتكليف من حلفائها في 8 تشرين الثاني(نوفمبر) 1917.
وما أن أُعلن بلفور وعده حتى سارعت الدول الكبرى، وفي مقدمتها فرنسا وإيطاليا وأميركا الى تأييده، بينما كان رد الفعل العربي يراوح بين الدهشة والاستنكار والغضب، وهو رد الفعل الذي ما يزال مستمرا حتى اللحظة.
المؤرخ البريطاني لورد ارنولد توينبي الذي كتب موسوعة قصة التاريخ، لم يملك "سوى أن يجرم بلاده على ما اقترفته بحق الشعب الفلسطيني وتسليم وطنه لقمه سائغة للحركة الصهيونية.
لكن الغرب الرسمي ما يزال متمسكا بايقونته الايديولوجية حول فلسطين باعتبارها اسرائيل ارض الميعاد، وهو يلح على الدوام على " أن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أماكن إقامة أجدادهم غير منطقي ومن الصعب جداً حل مشكلة اللاجئين التي تراكمت منذ 60 عاماً، ويجب تقبل أن التاريخ يسير، وأنها أصبحت جزءاً من إسرائيل، ولن نرى عودة للعائلات بعد الاحتلال وهذا الحال حدث في العديد من الصراعات حول العالم".