رؤوس بلا ريش

تم نشره الثلاثاء 03rd تشرين الثّاني / نوفمبر 2009 03:06 صباحاً
رؤوس بلا ريش
خيري منصور

ما من احد في دول تأسست على عقد اجتماعي وسياسي ونضجت فيها فكرة المواطنة على رأسه ريشة او بونديرة كما يقال ، لان دافعي الضرائب في هذه الدولة لهم مساءلاتهم الجدية عن كل ما يجري ، وليسوا مجرد ركام آدمي او كتلة ديمغرافية عمياء ، لهذا لا تفاجئنا الانباء التي تصلنا عن محاكمات ولو كانت باثر رجعي ، واخرها ما نسب الى الرئيس جاك شيراك من اختراع اكثر من ثلاثين وظيفة وهمية عندما كان عمدة لباريس ، بالرغم من ان الفرنسيين يعترفون للرجل بالفضل حول ما قدمه لباريس من خدمات ولم يسلم من هذه التهمة حتى حفيد الجنرال ديغول الذي عمل بصحبة الديغولي شيراك خلال تلك الفترة ، الامر يتجاوز ما نسميه الشفافية الى منظومة كبرى من الاعراف التي ارستها فلسفة الحكم ودستوريته في البلدان الاكثر تقدما في العالم ، فالحبل ليس متروكا على الغارب لاحد ، حتى لو كان رئيسا للجمهورية او حفيدا لبطل التحرير ، وفي العالم الثالث الذي ينافس فيه العرب زملاء الفقر والبطالة والفساد على المركز الاول ، يكتب يوميا عن الفساد ما يكفي لتلوين ما تبقى من مياه في قيعان الانهار ، لكن هذا الفساد له مواصفات اخرى ، انه متعدد الرؤوس والذيول ايضا ، لهذا تبدو عبارة قطع دابره مثيرة للسخرية ، فلم يحدث من قبل ان عزل الفساد عن الفاسدين وعومل على هذا النحو من التجريد الذي حول الى لعبة بلا حكم او صفارة او حتى شبكة ، فهو فساد بينوي يشمل النسيج الاجتماعي برمته ، ما دام الامر قد تعلق منذ البدء بتربويات تحرض على الفهلوة والوصولية وتقبيل الكلب من فمه واحتمال لعابه كي تؤخذ الحاجة المطلوبة منه،

ثمة اذن من يثرثرون عن الفساد والشفافية مقابل من يمارسون مواقف ميدانية من هذه المصطلحات العائمة ، والتي انتهت وصفات علاجها الى مثل شعبي يقول ببساطة «فالج لا تعالج».

ان تهمة شيراك وحفيد ديغول تبدو وهمية ايضا اذا قورنت بما نتداوله في عالمنا العربي من اتهامات تشمل مصائر اوطان ومستقبل شعوب ، وتنال من قضايا كانت ذات يوم مقدسة ثم تدنست ، وانتهى المشهد الى ما نحن عليه الان بحيث اصبح التأقلم القسري هو الحل الوحيد ، تماما كما قيل عن اخر العقلاء الذي لم يجد امامه كي ينجو ويعيش الا ان يشرب من نهر الجنون ، لكن نهر الفساد ليس مشاعا كأي نهر اخر ، ففيه مكاسب تصل ارقامها حدا فلكيا بالنسبة لفقراء لا يتقنون التعامل مع اكثر من صفر او صفرين،

ان الاطفال الذين يولدون في مجتمعات المساءلة والقانون يرضعون منذ بواكيرهم هذه الثقافة التي تحصنهم بل تلقحهم ضد وباء الرشوة والمقايضات في اسواق الفساد السوداء ، والثقافة التي تفرز محاصيل سامة ، تفرز ايضا من الجهة الاخرى وسائل للتبييض ، واعادة الانتاج ، وتزوير الوقائع ، لكن عمر كل هذه الاساليب قصير ، والخداع له مدة صلاحية ايضا ، تتناسب مع التجهيل والتضليل وفقدان الرشد الوطني ، فما ان يعي الانسان حقوقه واستحقاقاته حتى صحو ويواجه الضبع بدلا من احتمال زفيره الكريه والمشي وراءه نحو المغارة..

ان تلك الرؤوس رغم كل ما قدمته لبلدانها تخلو من الريش.. اما سواها فهو مغمور بالريش المنتوف عن اجساد الاخرين،



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات