الاعتداء على "طبيبة البشير" هل يكون الاخير؟

اذا كان الاعتداء على طبيبة في مستشفى البشير خطأ, فذلك لا ينفي ان الحادث وقع داخل حرم المستشفى وهو ليس الاول من نوعه وليس هناك ما يشير الى انه سيكون الاخير في سلسلة الاعتداءات التي يتعرض لها الاطباء والعاملون في وزارة الصحة على مدى السنوات الماضية.
منذ عدة سنوات ونحن في "العرب اليوم" نتابع هذه القضية بالتحقيقات والمقابلات والمقالات التي تؤشر على خطورة الظاهرة وضرورة معالجتها ووضع حد نهائي لها. صحيح ان هناك اجراءات اعلنت, مرة من قبل الوزارة واخرى من الجهات الأمنية, الا انها لم تحل المشكلة وهو ما يستلزم وقفة حازمة من جميع الاطراف, وزارة الصحة, ونقابة الاطباء, القضاء, والامن العام.
خلال المتابعة الصحافية في السنوات الماضية لهذه القضية, طَرح متابعون ومهتمون عدة مقترحات منها مطالبة الوزارة بعزل اماكن استقبال المرضى ومراجعيهم عن اماكن الطوارئ والعيادات والمرضى عزلا محكما, هذه هي الحال في معظم مستشفيات العالم, اما ان يذهب المرافقون مع المريض الى باب غرفة العمليات او يصبحون ملازمين للطبيب كخياله وكأنه يعمل في منازلهم. فهذه فوضى تشجع على امتهان الاخلاق السيئة وإظهار "مروءات الزعران والجهلة" الذين, كما يقال, بان معظمهم اصحاب سوابق ومن المدمنين على الحبوب والمخدرات.
في اماكن الاستقبال, يكون دور الادارة تسهيل اجراءات مراجعة العيادات ودخول المرضى وسرعة تقديم الاسعافات الاولية في الطوارئ, بما يتناسب مع الوجه الحضاري والاخلاقي للبلد. فلا يُهان المواطن لانه مُؤمّن على حساب الحكومة, ولا يعطى اي سبب للمريض او مرافقيه "لاظهار الغضب او قلة الأدب" اذا كانت الاجراءات عادلة وسريعة ومقنعة.
واذا كان العدد القليل من رجال الامن يواجهون صعوبة في التعامل احيانا, مع زعران وفتوات, فالحل ليس بإبقاء الحال على حاله, انما بوضع ما يكفي من قوة أمنية لردع ومواجهة هؤلاء, الذين يعتدون على اهم مرافق الخدمة العامة التي تقدم الرعاية الصحية والعلاجية للطبقات المتوسطة والفقيرة.
من جانب آخر ان إطالة أمد مشكلة الاعتداء المتكرر على الاطباء في معظم المستشفيات الحكومية بدون حل, وكان هناك اطباء أُدخلوا غرف العناية نتيجة مثل هذه الاعتداءات, فان نقابة الاطباء تتحمل بدورها مسؤولية كبيرة لانها لم تُظهر من المواقف والاجراءات الحازمة المبكرة لتسخين القضية ودفع جميع الجهات الى وضعها على رأس جدول اعمالها.
اما القضية الاهم ضرورة مراجعة اجراءات الحكام الاداريين والقضاء عند التعامل مع مرتكبي هذه الاعمال, لقد اصبح هناك مفهوم شائع في المجتمع بان الزعران والبلطجية واللصوص فوق القانون والامن, وهم يستخدمون السكاكين ولا يخشون من رجال الامن, لانهم سرعان ما يخرجون من السجن بعد قضاء اسابيع او شهور قليلة مع انهم يرتكبون جرائم تصل الى حد الشروع بالقتل.
نعرف ان وزارة الداخلية والامن يتعرضون لضغوطات جماعات حقوق الانسان, وهو ما يدعو هذه الجماعات الى التدقيق في بحث المشكلة وانعكاساتها على أمن المجتمع, ولا بأس من الابتعاد قليلا عن النظريات, فالشرور لا تواجه بالمواعظ والمبادئ, انما بقوة القانون وسلطة تنفيذه. على الاقل التمسك بالقاعدة القائلة. بان حرية المواطن تنتهي عند حدود حرية الآخرين, وان الاعتداء على حرية الآخرين جريمة لا ينبغي التهاون معها خاصة عندما تهدد الارواح وتبث الرُعب في نفوس موظفين مسالمين يقومون على الخدمة العامة, وبالتالي فإن جماعات حقوق الانسان مطالبة بتفحص كل حالة للتفريق بين ما يندرج تحت حقوق الانسان, وما يعتبر اعتداء على هذه الحقوق من قبل منتهكي القوانين واصحاب السوابق في الجريمة0