لماذا لا يستطيع الأردن إلغاء وادي عربة ؟

تم نشره الأحد 16 آذار / مارس 2014 12:02 صباحاً
لماذا لا يستطيع الأردن إلغاء وادي عربة ؟
د . فطين البداد

أمهل مجلس النواب الأردني حكومة الدكتور عبد الله النسور لطرد سفير إسرائيل في عمان واستدعاء السفير الأردني من تل أبيب والإفراج عن الجندي أحمد الدقامسة حتى الثلاثاء القادم ، ( بعد يومين من موعد صدور هذه المقالة ) وإلا فإن النواب سيصوتون لحجب الثقة عن الحكومة .

ولأن العلاقات الإسرائيلية الأردنية تستعصي على الكسر - بحكم استحقاقات دولية - فإن النواب لم يدرجوا معاهدة وادي عربة ضمن مطالبهم ، خاصة في ظل أوضاع سياسية واقتصادية تعيشها المنطقة والعالم ، حيث كان مطلبهم أمام الإعلام إلغاء المعاهدة ، أما تحت قبة البرلمان فانحصرت بطرد السفير والإفراج عن الجندي واستدعاء السفير الأردني من تل أبيب .

معطيات دولية كثيرة يجب أن تدفع الأصوات العالية للإنخفاض :

فالأمريكان اعترضوا ويعترضون على المفاعل النووي الأردني من أجل أن يعتمد الأردن على الغاز الإسرائيلي ، بل إن معهد واشنطن قال في تقرير السبت : إن خط النفط العراقي - البصرة - العقبة - أثار غضب مسؤولي البيت الأبيض ، ذلك أن أصواتا داخلية تصخب في هذه الأثناء ضد أي مشروع طاقة أردني بما فيه الصخر الزيتي ،وليس اتفاق الأردن الأخير مع شركة " ساكوس " السعودية إلا هروبا إلى الأمام لاستثمار جزء من الصخر الزيتي البالغ احتياطه " الظاهر حتى الآن " 70 مليار طن ، وهو رقم قابل للإزدياد بأضعاف ، وبالفعل ، وقعت الشركة مع الحكومة على اتفاقية استثمار بقيمة 2 مليار دولار ضمن منطقة امتياز حصري تصل إلى أحد عشر كيلو مترا مربعا ، ناهيك أن ضغوطا سياسية تمارس في الخفاء على الأردن من أجل القبول بطروحات خطيرة من مثل حث الفلسطينيين على الإعتراف بيهودية الدولة العبرية ، وهو ما يرفضه الأردن بالمطلق ، ناهيك أن الأمريكان ليسوا بوارد التساهل مع أمر بحجم طرد السفير الذي يعني في العرف الدبلوماسي قطعا للعلاقات ، وقطع العلاقات ، في المحصلة يصب في صالح إسرائيل في أكثر من نقطة ، لا مجال لذكرها وأكتفي ببعضها : من مثل أن معاهدة وادي عربة هي التي تمنع إسرائيل من ضم الأقصى وسحب الولاية الأردنية منه ، وهي التي سمحت للأردن بإنشاء محطة تحلية في خليج العقبة وتزويد الشمال الأردني بالمياه والأهم : هي التي تمنع إسرائيل من الإعتداء على الأردن عسكريا وهي قضية لا يجوز أن نكابر فيها لدرجة الغرور ، مع أن لدينا جيشا قويا ولكن لنعترف : لسنا بقوة هذا الكيان المجرم .

لن تقبل الولايات المتحدة حتى طرد السفير ، وليس إلغاء وادي عربة ، ولنكن صريحين : فإن علاقات الأردن بأمريكا هي علاقات أعمق مما يعتقده كثيرون ، لأسباب سياسية واقتصادية كبرى ولا مناص منها لا تاريخيا ولا الآن ، حيث إن أمريكا ليست بوارد وجع رأس خطير كهذا ، فالأمريكان يعانون من مأزق اقتصادي ، ويكادون ينفضون أيديهم من منطقة الخليج نفسها ومنطقة الشرق الأوسط والتوجه نحو المحيط الهادي ، حيث أصاب أوباما ما أصاب روزفلت في الأربعينات من القرن المنصرم ، عندما كان خائفا مترددا تجاه هتلر ، وهذا ما فعله بخصوص قضية سوريا وتردده بالإنغماس فيها ، ناهيك أن الولايات المتحدة تنفق في الخليج ما يقرب من 15 % من موازنتها العسكرية ، وهي نسبة مكلفة جدا، إذ تعالت الأصوات في الولايات المتحدة كي تنسحب من الشرق الأوسط عموما وبهدوء ، وبدون جلبة ، وهو ما نرى خطواته العملية في عدة صور : منها التخاذل الأمريكي في سوريا - كما قلنا - والغزل مع إيران ، ومحاولة حماية الخليج بالسياسة لا بالقوة ، وغير ذلك من الصور ، ولا يجوز أن ننسى أن الضامن لمعاهدة وادي عربة هو الشاهد عليها " أمريكا " .. التي هي ضلع أساس من مثلث الإتفاقية ، وهي لن تسمح في ظل ظروفها وظروف المنطقة بأي تغيير في المعادلات التي وضعتها بيدها.

على ماذا سيعتمد الأردن في إلغائه وادي عربة ، على أوروبا مثلا ؟؟ ..

إن أوروبا ( 28 دولة ) شأنها شأن أمريكا ، لن تقبل بأن يلغي الأردن الإتفاقية ، وهي أيضا لن تسمح بذلك ، فمشاكلها الدولية لا تمنحها مجالا للتنفس ، وبالرغم من أنها اختلطت فيها الأعراق ، وتداخلت الأوراق ، وكثيف السكان " ألمانيا " مع أقلها سكانا " ماطا " إلا أن هذا الإتحاد الذي يضم نصف مليار إنسان ، والذي هو ليس فيدرالية بالمعنى المطلق ، بل كيانات توحدت على أسس جغرافية وتجارية وزراعية وحقوقية واجتماعية ، يشهد راهنا مصاعب اقتصادية طاغية ، وباتت العضوية في الإتحاد تتطلب كثيرا من التضحيات ، وليست إيطاليا ومشاغلها الإقتصادية أو اليونان أو إسبانيا سوى أمثلة شاخصة على مصاعب كبرى يعانيها اقتصاد هذه الدول ، وباختصار ، فإن أوروبا غير مستعدة للإنخراط أكثر في العالم في الوقت الراهن لانشغالها بقضاياها الداخلية ، أو بأن يتم نسف معاهدات أودعت في الأمم المتحدة ومن شأن إلغائها أن يؤثر عليها اقتصاديا ويضربها في العمق ..

أما العرب ، فلا مجال لتقليب صفحات واقعهم الذي هو أظهر للعيان من الشمس في كبد السماء .

ولأن الوجع الأردني هو وجع اقتصادي بالأساس ، فإني استبعد منه المحاور الأخرى : فصندوق النقد الدولي موجود في واشنطن وليس في موسكو او بيجين رغم عضويتهما في المجلس التنفيذي للصندوق ، والمنح يتلقاها الأردن في العادة من الولايات المتحدة ومن الإتحاد الأوروبي ، والسبب وادي عربة ومعاهدة وادي عربة .

ولما كانت مديونية الأردن تصل إلى 25 مليار دولار ، وعجز موازناته السنوية في تصاعد عاما إثر عام ، فإن أي خطوة بحجم إلغاء معاهدة وادي عربة ، تعتبر فعلا جنونيا وإعلانا للحرب على إسرائيل ، ورفضا من قبل صندوق النقد لمنح الأردن أي قرض ، وعداء أمريكيا سياسيا واقتصاديا ، وامتناعا أوروبيا عن أي مساعدة ، وسيطلب العالم ديونه من بلد لا يفي بمعاهداته المودعة في الأمم المتحدة ، ومن ثم سينهار الإقتصاد وتخرب الدنيا .

وأيا كان الأمر ، فإن إلغاء وادي عربة مستحيل في ظل الظروف الموضوعية الراهنة ، وليست مذكرات النواب التي نادت بهذا الأمر سوى مواقف عاطفية لا سبيل لتنفيذها أبدا ، ولكن : هل بالإمكان طرد السفير من عمان كما طالب النواب ؟ .

أيضا ، فإن طرد السفير ، في المعايير الدولية ، يعني قطعا للعلاقات الدبلوماسية ، وقطع العلاقات الدبلوماسية يعني قطيعة من مختلف الوجوه ، وهو بمثابة إلغاء وادي عربة نفسها بما يحمله هذا الإلغاء من مخاطر ، إلا إن اتفق الطرفان على استدعاء السفراء للتشاور حتى تهدأ النفوس ، وهو ما أرجح أن تعمل عليه الدبلوماسية الأردنية .

ولكن كيف يمكن الرد على مقتل القاضي زعيتر ؟؟ .

إن بإمكان الحكومة الأردنية إغاظة إسرائيل والإفراج عن الجندي الدقامسة الذي يعيش الآن إضرابا عن الطعام ، خاصة وأنه لا لوم رسميا للاردن على خطوة كهذه ، لا من قبل الولايات المتحدة ولا من قبل أوروبا والعالم ، ذلك أن الدقامسة قضى فترة محكوميته القانونية أو يكاد ، وليس هناك من أحد في الأرض يجرؤ " أخلاقيا " على لوم الأردن على خطوة كهذه ، وإذا أفرج عن الدقامسة نكون بذلك رددنا الصفعة للجيش الإسرائيلي أيضا وليس لحكومة نتنياهو وإسرائيل ، : فعندما قتل الجندي الدقامسة الإسرائيليات في الباقورة ، لم يصدر الجيش الأردني ، أو الوحدة التي خدم فيها الدقامسة بيانا يثني فيه على فعل الجندي الأردني ، ولم يقل قائد وحدة الدقامسة : إنه يشعر بالفخر لقتله الفتيات لأن الجندي قام بواجبه " إلا أن الجيش الإسرائيلي وقياداته الوقحة فعلت ذلك ، واعتبرت الجندي الإسرائيلي الذي قتل القاضي الأردني بطلا قام بواجبه ، بل لا يمكن مقارنة حادثة الباقورة بجريمة جسر الملك حسين ، لاختلاف أسباب الفعل ومعطياته الميدانية .

فإذا كان البرلمان الأردني جادا في أن تكون للدولة هيبة ، وإذا لم تستدع الحكومة سفير الأردن في تل أبيب وتفرج عن الجندي ، فإن عليه إسقاط الحكومة بموجب المادة 95 من الدستور التي تبيح لعشرة نواب التقدم بذلك ، ليس فقط للإفراج عن الدقامسة ، بل لإلغاء وادي عربة حتى ، وهو أمر سردنا موانعه قبل قليل .

يفترض برئيس الحكومة استدعاء سفير الأردن من تل أبيب ، والذهاب بنفسه إلى الدقامسة في السجن وإخراجه منه ، لكونه قضى محكوميته المقررة ، فبأي مبرر لا زال يقبع فيه ، أليس حريا بنا أن نرفع رؤوسنا قليلا ، ونستحي على شواربنا ونكون رجالا ، ولو بتطبيق القانون " الأردني " على سجين محكوم . .

ألسنا رجالا ؟ .

د . فطين البداد 

 fateen@jbcgroup.tv



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات