الاعفاء من الغرامات .. قرار في الوقت الخاطئ

طلبت دائرة ضريبة الدخل والمبيعات من المكلفين المترتبة عليهم مبالغ مالية للدائرة والراغبين بالاستفادة من قرار مجلس الوزراء الخاص بالإعفاء من الغرامات تقديم طلباتهم الى اقرب مديرية ضريبة لهم.
القرار الذي اعتاد عليه جميع وزراء المالية في السنوات الاربع السابقة, كان بمثابة \"الكرت\" الاخير الذي تلعبه الخزينة في تحصيل اموال لطالما اعتبرها المسؤولون ديونا معدومة. الارقام عن حجم الغرامات ومستحقات الخزينة المترتبة على شركات وافراد ما زالت غامضة لعدة اسباب لعل ابرزها وجود فترات زمنية طويلة على تلك المستحقات التي لم يقم بدفعها المكلفون, فلماذا يقبلون بدفع تلك الاموال الآن ما داموا قادرين على التنصل من الدفع عشرات السنين من دون اي جزاء او عقاب على تخلفهم عن سداد حقوق الخزينة.
آخر موعد للاستفادة من قرار الاعفاء الكامل من الغرامات المترتبة على المكلفين سيكون في 14 من الشهر الحالي ومن ثم ستبدأ قيمة الاعفاء بالتناقص 10 بالمئة شهريا ولغاية شهر تشرين الثاني المقبل, وفي اعتقادي انه لن يكون هناك جديد بالنسبة لتحصيلات الخزينة بعد مضي ما يقارب العام على ذلك القرار وقبله قرارات مشابهة لم تستطع وزارة المالية من خلالها استعادة الاموال العامة.
ففي اوقات النشاط الاقتصادي وذروة الدورة الاقتصادية لم تتمكن الخزينة من تسوية موضوع الغرامات المتراكمة منذ اكثر من خمسة عقود, فكيف سيكون الحال ونحن نشاهد تراجعا في جميع الانشطة الاقتصادية وفي ظل عدم وجود قانون عصري للضريبة يحمي الخزينة من التهرب الضريبي الذي اعتاد بعض المكلفين من الافراد والشركات اللجوء اليه من دون أية اجراءات حكومية رادعة تحمي اموال الخزينة, بل ان بعض الحكومات قامت بمنح موافقات بمبالغ تتجاوز ال¯ 400 مليون دينار لشركات وافراد مقابل استثمارهم في انشطة ثبت بعد فترة وجيزة ان حجم ما ضخوه قي السوق المحلية من اموال لا يساوي شيئا مقابل تلك الاعفاءات التي حصلوا عليها.
التحدي الاكبر الذي يواجه الخزينة في استعادة حقوقها المالية من المتخلفين, هو حالة التراجع في النشاط الاقتصادي العام, فالقطاع الخاص يمر بأسوأ مرحلة اقتصادية, والركود يسيطر على اجواء العمل معه, في الوقت الذي ما زالت فيه العلاقة بينه وبين القطاع العام في ترد وعدم ثقة, فتداعيات الازمة المالية العالمية اثبتت ان مفهوم الشراكة بين القطاعين لا يخرج عن اطار التنظير وهو ابعد ما يكون عن الواقع.
منح اعفاءات من الغرامات اجراء يكافئ المتهرب من الضريبة في الوقت الذي يعتبر سداد الالتزامات الضريبية من قبل المكلفين في العالم المتحضر من اهم عوامل ومرتكزات الانتماء الوطني, ويعتبر من يحاول التهرب في عداد المتهمين بجريمة الخيانة.
لدى الحكومة اسماء كل من عليه مستحقات ضريبية متأخرة للخزينة, ولو ارادت تحصيلها لفعلت من خلال تسويات مشتركة مع المكلفين انفسهم اثناء استحقاق الضريبة الحالي عليهم, فمن غير المقبول ان تقوم الوزارة بأخذ مستحقات ضريبية من مكلف خلال عام مثلا وتترك مستحقات متأخرة عليه منذ عقود.