زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون

في عُمان أيضا ، عُدّ العام 2009 عاما الزراعة ، وتولى السلطان قابوس بن سعيد الذي سيحتفي العمانيون العام المقبل بالذكرى الأربعين لتوليه سلطاته الدستورية (النهضة وفقا للاصطلاح المستخدم في عمان) ، في جولته السنوية على المحافظات ، مهمة حث العمانيين على زراعة مليون شجرة نخيل ، أشرفت على اختيار "فسائلها" لجان مختصة لانتقاء أفضل الأنواع وأكثرها قدرة على جبه التحولات المناخية القاسية التي تشهدها البلاد ، وتحديدا ما خص منها تزايد نسبة ملوحة التربة لمساحات واسعة من المناطق الزراعية.
استذكرت ونحن نستمع من المسؤولين والزملاء العمانيين ، أننا في الأردن أعلنا أيضا العام 2009 عاما للزراعة ، الملك عبدالله الثاني أطلق المبادرة لتطوير الاهتمام بالقطاع الزراعي ، لكن الإدارات الحكومية المختصة بأجهزتها وموازناتها لم تلحق به أو تلتحق بركب المبادرة ، وظل الإنجاز متواضعا ، مع أن العام يكاد يلفظ أسابيعه الأخيرة ، وزاد الطين بلة ، عناد الطبيعة وقسوة وشح ماء السماء وندرته.
قبل أشهر ، كنت في ألبانيا ، وقد علمت هناك أن صالح بريشا ، رئيس وزراء البلاد المنتخب ، والشخصية الألبانية الأشهر منذ أنور خوجة ، يقود مبادرة لزرع خمسة ملايين شجرة ، لمواجهة الاستهلاك الجائر للثروة الحرجية في بلاده ، وقد رصدت لذلك موازنات وخبرات ، إذ يكفي أن تتصل بالهاتف معربا للجهة المختصة عن استعدادك لتبني "مجموعة من الأشجار" في حديقة منزلك أو بستانك ، حتى يأتيك بـ"الأبذار" من لم تزود.
في عيد الأضحى الفائت ، قمت صحبة العائلة بزيارة اللاذقية ، لأول مرة منذ ما يقرب من ربع قرن ، وجدت الطريق من دمشق إليها "مشجرا" على جانبيه ، و"بعمق" خمس إلى عشر أشجار إن جاز التعبير ، الأمر الذي يعطي سالك تلك الطريق الانطباع بأنه في وسط غابة حرجية ممتدة على امتداد الأرض السورية ، وبصورة تترك انطباعا مريحا لمئات ألوف المواطنين والزوار الذين يسلكون تلك الطريق.
رجعت بذاكرتي إلى الوراء ، حين كنت أسخر من تلك "الفسائل" المزروعة على جانبي ذاك الطريق ، فقد كنت هناك عندما غرست لأول مرة ، مهموما بـ"الفصائل" في حينها ، وبدا لي أن تحول تلك النباتات الضعيفة إلى "مشروع غابة" أمرا مستحيلا نظرا لقسوة البيئة التي تشبه في مقاطع عديدة منها باديتنا الأردنية ، قلت لمن معي ، ولماذا لا نزرع طريق عمان العقبة بـ"فسائل" من هذا الصنف الذي لا يحتاج ماء إلا في مراحله الأولى ، ثم يشتد على عوده ويصبح "عال العال".
في عُمان ، وحيث الجميع يتحدث عن "الوقفية" الجديدة التي منحها السلطان للأجيال القادمة من العمانيين: مليون شجرة نخيل ، أي بمعدل شجرة واحدة لكل عُمانيين ووافد ، تساءلت عن "الوقفية" التي يمكن أن نتركها لأبنائنا وأحفادنا في العشريات القادمة من السنين ، ولم أجد أفضل من مليون شجرة زيتون ، يمكن نثرها على الجبال الجرداء أو حواف المدن والطرق الخارجية ، بحيث توفر ثروة وطنية ، نعتني بها في البدء ، و"نوقفها" للأجيال القادمة ، عملا بالحكمة الشهيرة التي تلقنّاها صغارا في المدارس: زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون.
لقد قضمت الغابات الاسمنتية ، المساحة الخضراء في عمان ومعظم المدن الأردنية دونماً إثر آخر ، وقد آن أوان إعادة الاعتبار للشجرة ، ليس في عيدها فحسب ، بل وفي كل يوم من أيام السنة ، ولنجعل من غرس شجرة واحدة على الأقل ، متطلبا للتخرج من الجامعة أو الحصول على وظيفة حكومية أو نيل "كشف علامات" شهادة التوجيهي ، عندها وفي أقل من عام ، سنغرس ضعف العدد المستهدف زراعته من أشجار الزيتون المباركة.