صحافي جريء ووطني غيور

يغيّب الموت الزميل الشاب سمير ابو هلاله. كانت البدايات المهنية لهذا الصحافي الجريء والوطني الغيور في "العرب اليوم", منذ صدورها قبل 13 عاما. وكان اكثر ما شدّني اليه اندفاعه الحاد. وحديثه الصادر من القلب خاصة عندما تحضر مدينته معان الى واجهة الاحداث. كانت معان دائما بالنسبة اليه مكانه الخاص, الذي منه يطل على الوطن كله اذا اراد ان يُقيّم سياسات الحكومة, او اذا اراد استخراج عبرة يرى من الضروري ان تكون ملهمة للاردنيين جميعا.

على مدى السنوات من عمر »العرب اليوم« كان سمير ابو هلاله جزءاً من طموحات أسرة تحريرها خلق صحافة حرة وصحافيين يعملون بعناد من اجل الحقيقة. انه طموح مكلف لكنه اصبح أمرا واقعا, واهتمامات سمير لم تكن نظرية او روتينية في ميدان العمل, لقد منحته معان روح التحدي, كما علمته عمان وبيئة العمل في الصحيفة بان هذا الوطن لا يحتمل انحيازات جهوية لشمال وجنوب ووسط. لقد آمن بأن الوطنية الاردنية هي انفتاح على فضاء من التنوع يمتزج فيه الخاص بالعام. فالاردنيون جُبِلوا كأفراد على الاعتداد الشخصي والعشائري بالحرية والكرامة والكرم, وطيبة الخُلق والمعاملة, وهذه الخصوصية وهذا الاعتداد بُني دائما على مفهوم ان كرامة الوطن من كرامة المواطن والعكس صحيح.

من ذكريات العمل مع سمير ابو هلاله انه في عام 98 وصلت الى "العرب اليوم" معلومات عن قيام احدى الشركات بجرف ونقل الاتربة من منطقة وادي عربة الى المستوطنات الصهيونية القديمة داخل اسرائيل, وكانت الصحف العبرية قد نشرت بعض المعلومات المتعلقة بشراكة بين متنفذين اردنيين واسرائيليين لاستغلال هذه التربة وتسويقها.

حاول ابو هلاله مع احد المصورين الوصول الى المنطقة اكثر من مرة, لكن محاولاته فشلت بسبب النقاط الأمنية التي حجزت السيارة وصادرت الكاميرا في احدى المرات, وهو ما دفع سمير الى التنكر بالزي البدوي السائد في المنطقة واستطاع ان يصل الى اماكن قريبة من عمل الشركة المذكورة. والتقط صورا للشاحنات وهي تحمل الاتربة الى داخل اسرائيل. وقد ادى نشر الموضوع في ذات الوقت الى وقف اعمال هذه الشركة وكانت سعادته غامرة لأن "سف الرمال افضل من بيعها للعدو".

في احد ايام ,2004 اعطى سمير ابو هلاله فضائية الجزيرة حديثا علق فيه على حدث داخلي. في مساء ذلك اليوم دخل الى مكتبي وما هي الا دقائق حتى كانت مجموعة من رجال الاجهزة الأمنية تقتحم المكان طالبة اعتقاله. أقنعته بالذهاب معهم, مع وعد بأن تكون قصته مانشيت عدد اليوم التالي, وعندما ابلغت الجهات المعنية بهذا الموقف احتجاجا على اعتقال صحافي, واستنكارا لاقتحام مكاتب صحيفة اردنية عاد سمير خلال ساعات قليلة الى موقعه في "العرب اليوم".

لقد قدّم الفقيد الى الحرية الصحافية مواقف ومبادرات مهنية جريئة, بالخبر والتحقيق والتعليق, وهي لم تذهب سُدى, لأنها جزء من عملية تراكمية طويلة تساهم في انضاج مناخ حرية الرأي في البلاد. فالاسلوب الخاص للصحافي وتميزه المهني في الموقف والكتابة والمتابعة والتزامه بالسعي لنشر الحقائق والمعلومات تظل ذكراه وهويته في سجل الصحافة الاردنية وفي ذاكرة الوطن والناس.

رحم الله الفقيد العزيز, المأسوف على شبابه والعزاء لاهله واصدقائه وجميع احبائه في معان.