ملاعب وشعوب

تتتابع فصول المواجهة الكروية بين مصر والجزائر, فالفريقان خاضا مباراة حماسية يوم السبت, استطاع فيها الفريق المصري ان يكسب جولة اخرى, ستجرى غدا في السودان. واسباب هذا الحماس مبررة لان النتيجة ستحمل الفائز الى قائمة فرق المونديال في جنوب افريقيا العام المقبل.
لست خبيرا رياضيا, ولا اتابع مباريات كرة القدم, الا تلك التي يتحدث عنها الناس قبل حدوثها, وهذا ما جعلني اهتم منذ البداية بما يجري بين مصر والجزائر على ارض الملاعب, وبين الشعبين وصولا الى ما اطلق عليها المعركة الاعلامية التي حملت هجوما متبادلا في الصحف ووسائل الاعلام الاخرى.
بداية نتمنى ان تنتهي مباراة يوم غد بسلام وان لا يحدث ما يعكر صفو العلاقات الاخوية بين المصريين والجزائريين, فوقائع مباراة السبت الماضي كانت ممتعة, وقد قدمت للمشاهد العربي مستوى مهنيا كبيرا للفريقين يضاهي ما يجرى من مباريات على الملاعب الاوروبية وفي امريكا الجنوبية, ونأمل ان يتكرر هذا الاداء بروح رياضية تجعل المنتصر فخورا بأخلاقه وأدائه والمهزوم كبيرا بروحه الرياضية والعربية معا.
ما يستحق التوقف, هو ما نسمع من انتقادات عبر الفضائيات, يملأها اليأس والقنوط, والبكاء على وحدة العرب وعلى واقع الشعوب, ووصفها بمختلف الاوصاف السلبية, مستنكرين هذا الحماس وهذه الانفعالات الجياشة التي شدت الشعبين, الجزائري والمصري, ومعها شعوب العالم العربي لمتابعة هذه المواجهة الكروية.
ارى ان هذا ما يميز كرة القدم عند مختلف الشعوب انها اللعبة الوحيدة القادرة على استقطاب اكبر عدد من الناس, في التأييد او المخاصمة, وما جرى ويجري بين اوساط المصريين والجزائريين من اصطفاف كل خلف فريقه الوطني امر طبيعي, وليس فيه ما يدعو للبكاء على حال الشعبين واحوال العرب والمسلمين.
لا يتنكر المصريون لانتمائهم العربي لانهم يؤيدون فريقهم ويقفون خلفه ويتمنون الحاق الهزيمة بالفريق الجزائري, كما ان الجزائريين لن يصبحوا من (اللاييك) تنكرا للعروبة لان خصمهم الفريق المصري, ومن حقهم ايضا ان يبالغوا في الحماس والهتاف من اجل تشجيع فريقهم للفوز, فهذه هي قوانين اللعبة وهذه اجواؤها واحكامها ثم ان ايجابياتها وسلبياتها تنتهي بمجرد ان يطلق الحكم صافرة النهاية.
على اي حال, كاعلامي ارى من خلال هذه المواجهة الكروية ان دور وسائل الاعلام اصبح كاسحا في التأثير على الشعوب وتحديد اولوياتها. واذا كان هناك من يلوم الشعوب لانها لا تحتشد تأييدا للقضايا السياسية والقومية مثلما تفعل لكرة القدم. فان اللوم لا يوجه لهذه الشعوب. وانما للسياسيين ووسائل الاعلام.
وعلى العكس, فان ظاهرة التجمعات والحماس والتعاطف الشعبي مع فريق كرة القدم الوطني, سواء في مصر او الجزائر او اي بلد عربي, يظهر تعطش الشعوب لرؤية نفسها تلتف حول حدث ذي طابع وطني عام. في زمن لم تفعل فيه السياسة ومعها وسائل الاعلام سوى تفريق الامة وتجزئة الشعوب والهائها بالصغائر, واستبعاد كل ما من شأنه ان يجمع الشعوب والامة على طريق واحد.