في الطريق إلى مجلس الأمن؟!

قد يكون من المبكر الحديث عن "استراتيجية فلسطينية جديدة" ، فنحن ما زلنا بحاجة للتعرف على ملامح الخطة الفلسطينية لمرحلة ما بعد "استعصاء المفاوضات" و"إرجاء الانتخابات" ، والأرجح أن استراتيجية كهذه لم تتبلور بعد ، وأننا ما زلنا في مرحلة "عض الأصابع" و"المناورات الضاغطة" و"سبر الأغوار" و"إطلاق بالونات الاختبار".
التوجه إلى نيويورك ، بعد أن عادت ريما (واشنطن) سريعا لعادتها القديمة ، يتكشف عن عدة مقاربات وسيناريوهات.
السيناريو الأول: إقدام السلطة من جانب واحد ، على إعلان قيام الدولة الفلسطينية على المناطق المحتلة عام 67 وعاصمتها القدس ، والذهاب به إلى مجلس الأمن ، متشجعة بالشوط الكبير الذي قطعته على طريق بناء المؤسسات والأجهزة ، وبشهادة الجنرال دايتون (أمنيا) وطوني بلير (اقتصاديا) ، مثل هذه المقاربة لا تبتعد كثيرا عن "رؤية بناء الدولة تحت الاحتلال أو رغم أنفه" كما تقول وثيقة سلام فياض ، وهي تعيد تجربة إعلان الاستقلال (88) ، والأرجح أنها ستستدعي خطوات إسرائيلية من جانب واحد ، وسيكون الاعتراف بالدولة الوليدة على الورق ، محدودا ، وقد لا يتخطى الاعتراف القائم بها حاليا.
السيناريو الثاني ، قيام مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار يعيد فيه التأكيد على رؤية دولتين لشعبين ، ونظرا لأن واحدة من هاتين الدولتين موجودة بالفعل ، ومدججة بكل عوامل القوة والاقتدار ، فإن القرار قد يشتمل على تأييد قيام الدولة الناقصة ـ الغائبة ، الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس ، وبصورة تتخطى القرار 1515 أو إعلان الاستقلال ، مثل هذا الاحتمال سيشكل من دون ريب انتصارا سياسيا للقضية الفلسطينية ، حتى وإن لم يجد طريقه إلى حيز التنفيذ ، وهو بعيد كل البعد عن الأحادية التي تستدرج إحادية مقابلة ، وقد يقنع الفلسطينيين لاحقا بإعلان دولتهم استنادا إلى القرار الجديد ، وقد تجد خطوة كهذه الترحيب والاعتراف من المجتمع الدولي.
المقاربة الثالثة ، وتتجلى في محاولة انتزاع قرار من هذا النوع من دون جدوى ، واكتفاء مجلس الأمن بنصوص عمومية مكرورة ، لا تختلف في جوهرها عن القرارات السابقة ، أو إقدام واشنطن على استخدام الفيتو في حال استمسك الفلسطينيون والعرب وحلفاؤهم بنص يرسم حدود الدولة ويحدد عاصمتها ، وسيزداد الطين بلة ، إن وقفت دول الاتحاد الأوروبي على الحياد وحواف "الامتناع عن التصويت".
المعركة على مجلس الأمن وفي الطريق إليه ، معركة مهمة للغاية ، ويتعين إدارتها بكل التصميم والحنكة ، إذ يتوقف على نتائجها الشيء الكثير ، فهي إما أن تكون دفعا للقضية الفلسطينية إلى الأمام ، وإما أن تكون ضربة لها في الصميم ، على أن الأهم من كل هذا وذاك ، أن لا يكون مجلس الأمن ، الساحة الوحيدة التي تختبر فيها السلطة "استراتيجية ما بعد انهيار الخيار التفاوضي" ، فثمة ساحات لا تقل أهمية ، بل وأكثر أهمية من دون ريب ، يجب أن نبدأ منها ، وأهمها على الإطلاق ساحة استرجاع الوحدة الوطنية الفلسطينية وترتيب البيت الفلسطيني من الداخل.
أخشى ما نخشاه أن يكون التوجه إلى مجلس الأمن ، على عجل ، محاولة للهروب إلى الأمام ، وترتيب لتفادي استحقاقات استئناف الحوار واستعادة الوحدة ، ووسيلة للتهرب من مطلب قطاعات متزايدة من الشعب الفلسطيني ، بضرورة اعتماد استراتيجية فيها شيء من المفاوضات وكثير من المقاومة ، العاقلة والراشدة والرشيدة ، لا بأس ، ولكنها المقاومة التي تفتح أفقا جديدا ، وتسقط خيار "المفاوضات حياة".
نعم ، التوجه إلى الملعب الدولي بعد انكماش مساحة الملعب الأمريكي ، توجه مهم وجدير بالتأييد ، بيد أنه مشروط أولا وأخيرا ، كجزء من استراتيجية أشمل وأعمق ، تبدأ بإعادة النظر والمراجعة والتقييم ولا تنتهي بتحضير الشعب لمشوار كفاحي طويل على طريق الحرية والاستقلال ، ومن دون ذلك ، تصبح هذه الخطوات جميعها توطئة وتمهيدا لـ"السلام الاقتصادي" و"الدولة تحت الاحتلال" و"الحل الانتقالي بعيد المدى" و"خطة بلير ـ دايتون".