عيد مبارك وأيام خير
الأعياد مناسبة فرح. وأعيادنا مرتبطة بالعبادة وطاعة الله تعالى من صوم رمضان أو أداء فريضة الحج او حتى صوم يوم عرفة لمن أراد من غير الحجاج. والربط بين الفرح والعبادة غاية كريمة لأن العبادات ليست فعلا فرديا بل يفترض ان تنعكس على سلوك الناس في حياتهم، لهذا كان التوجيه النبوي بأن الدين المعاملة، لأن أي عبادة اذا لم تحول صاحبها الى مواطن صالح يقدم الخدمة لمن حوله ويكف أذاه عن الناس ولا يظلم فإنها عبادة شكلية وطقوس بلا روح، لهذا كان الحديث النبوي بأن من لم يدع قول الزور والعمل به فلا حاجة لله تعالى بجوعه وعطشه، ومن حج فلا رفث ولا فسوق. وحتى الشهيد الذي يمارس ذروة سنام الإسلام فإن حقوق الناس تبقى في رقبته ولا يغفرها الله تعالى.
الاعياد مناسبات فرح لكنه فرح موجه ومفيد ومن دون تكلفة، ولهذا فهذا العيد المبارك فيه الأضحية التي تمثل إحدى شعائر الإسلام، وهي فرح لعائلة المضحي لكنها تصنع فرحا لمن يأكل منها من الفقراء والأقارب، وهي مناسبة فرح للتاجر وكل من له علاقة بشعائر العيد وطقوسه.
فالعيد مناسبة للفرح بالعبادة، لكن الفرحة الحقيقية عندما تنجح نفوسنا في اكتساب المعنى الحقيقي. وجوهر العبادة هو أن تجعل منا أشخاصا قادرين على ممارسة ما يجب تجاه أنفسنا ومجتمعنا وأمتنا، فلا معنى للعبادة مع من يمارس الغش أو الفساد أو الاعتداء على أعراض الناس أو الفتنة أو يضعف مجتمعه أو حتى من يتحايل على عمله فلا يؤدي واجبه. ولا معنى لاي عبادة مع من لا يدرك أن الله تعالى شرع العبادات لتبني في داخلنا رقابة ضد الشر والسوء، لأن العبادة بناء لإنسان حقيقي، أما من يرى فيها طقوسا وحركات ومظاهر اجتماعية فإنه قد فقد الطريق نحو رضى الله تعالى، ولهذا نجد ان الاعداد الكبيرة ممن يمارسون العبادة والفرائض لا يحدثون أثرا في مسارهم لانهم لايربطون بين عبادتهم مع اخلاقهم وسلوكهم.
مما ترويه سيرة الرسول الكريم عليه السلام قصة المرأة التي عرفها الناس عابدة بل كثيرة الصلاة والصيام، لكن الرسول عرف بأنها في حال غير حسن عند وفاتها، فلما سأل عرف انها كانت تؤذي جيرانها. الدين أراد العبادة لتردعنا عن السوء فإن لم ندرك هذا ولم نلتزم به فقدنا معنى العبادة حتى وإن مارسنا مظاهرها.
عيد مبارك وأيام خير وحجاج كرام من أدرك منهم معنى العبادة والتزم بما امر الله بعد الحج واثناءه، فان الجزاء الكبير هو مغفرة الذنوب، ونحن في ظلال عبادة الحج نفرح بأيام الطاعة ونمارسها عبر صناعة الفرح لأهلنا ومن حولنا كل وفق ظروفه وإمكاناته، لكن المهم ان نذهب نحو الفرح وان نقدم لمن نستطيع ما يجعله قادرا على الفرح، وأن تبقى العبادة في جوهرها حالة بناء للانسان القويم المنتمي لمجتمعه، والبعيد عن أن يكون ظلا لإبليس وصديقا له في إشاعة الشر.وكل عام وأنتم بخير.