كل شيء بيد الحكومة

اذا كان الحدث الكبير قبل العيد هو حل مجلس النواب الخامس عشر, فإن الحدث المهم المرتقب هو مستقبل حكومة المهندس نادر الذهبي التي تلاشت من حولها اشاعات التغيير ليحل مكانها ترقب التعديل, وحتى إعادة التشكيل.
البلد اذاً امام مرحلة يُغيّب فيها مجلس الامة وكل شيء اصبح في يد السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة. بيدها التشريع وبيدها التنفيذ وايضا بيدها مسؤولية المراجعة والمحاسبة وغير ذلك من اوصاف الحكم الرشيد. انها تقف (اي الحكومة) على تخوم جبهة واسعة بمواجهة تحديات صعبة وقاسية, من الازمة الاقتصادية والوضع المالي الى مسؤولية تشريع قانون انتخاب يحمل هوية المرحلة المقبلة, ويقرر مصير الساحة السياسية لسنوات طويلة مقبلة.
هناك قناعات عامة سائدة منذ العقد الماضي بأن مجلس النواب لا يمكن ان يقر قانون انتخاب يتعارض مع مصالح اعضائه, لهذا فإن تغييب المجلس, او انتظار انتهاء خدمته يفتح المجال امام الحكومة لاصدار قانون مؤقت يتم بموجبه تحديد تشكيلة المجلس المقبل.
لكن ثبت, بالتجربة, ان الحكومات ايضا, ترتكب نفس اخطاء النواب, عندما تضع القانون الانتخابي الذي يوافق مصالح ووجهات نظر اعضائها, وعشنا وشفنا حكومات تفصّل دوائر خصوصي من اجل ان ينجح فلان, وتلغي دوائر لضمان عدم وصول فلان الى مجلس النواب, والنتيجة دائما انتخابات لا يُقبل عليها غالبية الشعب, ونواب, إمّا انهم عاجزون عن اداء مهمتهم او انهم من الضعف والتشتت بما يجعلهم مكتوفي الايدي, ويجعل مجلس النواب ضعيف الاداء والتأثير.
عندما تقف الحكومة وحدها في واجهة الحكم, ممسكة بالتشريع والتنفيذ, فإن السؤال هو: هل تتحمل مسؤولية ما تقوم به من سياسات وما تصدره من تشريعات قوانين مؤقتة? أم انها مفوضة بعمل ما تشاء فإن اخطأت لها اجر وان اصابت لها اجران!!
المفروض ان غياب مجلس النواب لا يسقط الرقابة والمحاسبة عن الحكومة واداء وزرائها. وهنا يأتي دور المجتمع المدني من الصحافة ووسائل الاعلام الى الاحزاب والتيارات السياسية والمنتديات والنقابات.
انها مرحلة مفتوحة لا يُقبل ان تعمل فيها الحكومة خلف ابواب مغلقة خاصة فيما يتعلق بقانون الانتخابات. وتحُسن الحكومة صنعاً ان هي اعتمدت سياسة (الحوارات الهادئة) بينها وبين قوى المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية من اجل بحث مشروع جدي للاصلاح هدفه اجراء انتخابات نيابية عامة, تكتسب مظاهر الانتخابات الديمقراطية المتعارف عليها عالميا.
هذه المظاهر هي (1) خلق مناخ سياسي وتشريعي يسمح بظهور تكتلات وقوائم انتخابية برامجية (2) البحث عن كل ما من شأنه دفع الشعب الى الانخراط في العملية الانتخابية, من باب المفاضلة بين الاشخاص والبرامج وليس على اساس شراء الاصوات ومن يدفع اكثر!
اخيرا, انصح الحكومة ان لا تراهن على استمرار اجواء الراحة التي ولدها قرار حل المجلس النيابي, لان المجلس, كان من قبل, يتحمل معها جزءا كبيرا من انتقادات الرأي العام, أما اليوم فهي وحدها في الميدان, ومهمتها اصبحت صعبة, سواء في مواجهة التحديات الكبيرة او في تحمل الاعباء والمسؤوليات, وكان الله بعون البلد وعونها.