نهاية التنمية التقليدية

التحدي الأكبر الذي يواجه صانع السياسة الاقتصادية في الأردن هو عـدم التوازن بين الموارد الطبيعية الشـحيحة وعدد السكان المتزايد، ففي خلال 60 عاما تضاعف عدد السكان 12 مرة، ولم ترتفع الموارد الطبيعية في الوقت ذاته بل انخفض بعضها فزحف البناء على الأرض الزراعية وهبط منسـوب المياه الجوفية، ومني البحث عن البترول بالفشل.
ومع أن مساحة المملكة تناهز 3ر89 ألف كيلو متر مربع، أو 3ر89 مليون دونم، فإن مجموع الأراضي المزروعة بالخضار والفواكه والمحاصيل الحقلية لا يزيد كثيرا عن مليوني دونم أو 3ر2% من المساحة الكلية. وبينما تقول مصادرنا أن الأرض الصالحة للزراعة تتراوح حول 8ر7% من المساحة الكلية، إلا أنها في الواقع قد لا تزيد عن 5%.
لا عجب والحالة هذه إذا كانت نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح في حدود 1% فقط، ومن الشعير 4ر1%، وإذا كان الماء يوزع على السكان بالدور، وتدفع الحكومة في بعض السنوات للفلاح الأردني كي لا يزرع أرضه في غور الأردن لعدم توفر مياه الري.
الاقتصاد الأردني تكيف مع هذه الحقيقة فركز على الخدمات التي أخذت تسهم بحوالي 70 من الناتج المحلي الإجمالي، خاصة وأن قسما مهما منها يستهلك محليا من قبل طلاب العلم العرب، والمرضى العرب الباحثين عن الرعاية الصحية، لكن هذا التكيف لم يسمح برفع حصة الفرد الأردني من الدخل إلى الدرجة المرغوب فيها.
في هذه الحالة لابد من اقتحام مرحلة ما بعد الخدمات التقليدية، ومقاربة اقتصاد المعرفة، فهو الطريقة الوحيدة للارتقاء بمستوى الدخل الفردي إلى الدرجة المرغوب فيها، دون الحاجة للمزيد من الموارد الطبيعية، خاصة وأن الأردن يحتل موقعا مركزيا بين أقطار المشرق العربي، ويمكن أن يصبح مركزا للتميز في هذا المجال.
مدينة الحسن العلمية التي تشمل الجمعية العلمية الملكية وجامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا والمرافق العلمية الأخرى يمكن أن تصبح نواة لمركز إنتاج المعرفة والعلماء إذا وجدت الرعاية الكافية، ابتداء من صدور قانون ينظم أعمالها، بدلا من تسجيلها الحالي كجمعية عادية.
قصور الموارد الطبيعية عن تلبية احتياجات ستة ملايين نسمة يعني أن وسائل التنمية التقليدية أصبحت تمثل طريقا مسدودا، ولا بد من الانتقال سريعا إلى الثورة المعرفية التي تعتمد على العنصر البشري، وتوظيفها اقتصاديا واجتماعيا.