لجنة الذهبي والرهان المبرر

شعرت بطمأنينة عميقة بتولي الرئيس نادر الذهبي رئاسة اللجنة الوزارية المكلفة باعادة النظر في قانون الانتخابات، فالرئيس الذهبي ليس عضوا في نادي المناسف التي يلتقي حولها مسؤولون سابقون وشخصيات طامعة في المناصب، يضعون فوق رزها لحم الوطن ولحم الشعب، وليس عضوا في (مكلمة) لم تترك مسؤولا الا ونهشته ولا توجها الا وشككت فيه، واعتبرت وتعتبر هذا الاردن الطيب الجميل مزرعة بلا ابواب ولا جدران ولا حماية، يستبيحونه كل ليلة، ويقذفونه بحجارة احقادهم، وعندما يصعب اللقاء - وهو قلما يصعب - يلجأون لهواتفهم الخلوية، حتى ينفد رصيدها بعد ان نفد رصيدهم من عشق الوطن والاعتزاز به، ومن الولاء للاردن ومن انتمائهم اليه، هذا اذا كانوا حقا ينتمون الى ترابه وقيادته وشعبه واوجاعه الكثيرة.
ان يتولى الرئيس الذهبي لجنة وزارية للعمل على انجاز قانون انتخابات ديمقراطي وعصري، يعكس احترام الدولة لمواطنيها وينهض على مفهوم ثابت ان الديمقراطية بلا ديمقراطيين كارثة حقيقية، وان وصول (ممثلين للشعب) بوسائل ليس من بينها حق الاختيار سيضعنا مرة اخرى امام التجربة المفجعة التي عانينا منها على مدى عامين كاملين، ذلك أن القانون الحالي مدمر للديمقراطية. ادرك تماما ان الرئيس الذهبي واعضاء اللجنة الوزارية لا يحتاجون الى من يحدثهم عن عيوب قانون الانتخابات، ولا الى اصابعنا لتشير الى مواقع الخلل، وتجربة الحكومة الحالية مع مجلس النواب الذي شكلت الارادة الملكية بحله عرسا ديمقراطيا حقيقيا اعطى فرحا ولكنه فرح ممزوج بالحزن والاحباط، في أن يجد جلالة الملك نفسه مضطرا الى اتخاذ قرار الحل بعد أن احبطه اداء النواب وصدمته امتيازاتهم الكثيرة في مرحلة يمر بها وطننا وتحتاج الى كل جهد من كل صادق للوقوف مع مشكلاتنا وللبحث عن حلول لها، تحفظ لهذا الوطن الصابر الصامد والطيب كبرياءه ووحدته الوطنية واعتزازه بذاته حتى لو اقتسم ثلاثة مواطنين رغيف الخبز الواحد، عملا بقاعدة تقول أن الحرة تجوع ولكنها تسد جوعها بالصبر والتكافل والعمل حتى تنفتح ابواب الفرج بسواعد ابناء الوطن.
لا اريد الدخول في التفاصيل، فليس هناك اسرار نريد الحديث عنها، ومن المؤكد أن تجربتنا القاسية والموجعة مع الكثير من المسائل المتعلقة بالانتخابات التشريعية تجعل الكتاب مفتوحا بكل صفحاته امام (لجنة الذهبي) اذا صح التعبير، فالخطوة الاولى لانطلاقة الاصلاح الحقيقي تكمن بكل تفاصيلها في وضع قانون عصري واخلاقي ووطني وقومي وانساني للانتخابات التشريعية. واذا ما نجحت (لجنة الذهبي) في صياغة قانون انتخابات بكل هذه المواصفات، فإن الانجاز لن يكون اردنيا وحسب، بل وعربيا واقليميا، فأمر مؤسف ان يتواصل انشغالنا بقانون انتخابات بينما التجارب النظرية والعملية بين أيدي كل الدول وكل الحكومات، وحتى نحفظ لهذا الوطن الصورة الزاهية، والانجازات العبقرية، والريادة في ميادين كثيرة، فإن الطريق واضح وكل ما نحتاج اليه النوايا الوطنية النبيلة التي نمارس ترجمتها بشجاعة وصدق واخلاص.
بسبب تفاؤلي الذي لم تهزه يوما عقبات أو احباطات، أشعر في اعماقي اننا مقبلون على انطلاقة جديدة، وأنه سوى ظفرنا لن يحك جلدنا، وانه مهما بلغت مشكلاتنا من القسوة فإن الارادة الوطنية السياسية قادرة على التعامل معها، لقد دمرت المانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية وبعد عشرين عاما كان البلدان ماردين اقتصاديين، وفي سنغافورة ذات الاربعة ملايين ونصف المليون والتي استقلت مطلع الستينات تجربة غنية لمن يريد ان يتعلم ويعلم ايضا، اذ ان بلدا كهذا يحتفظ باحتياطات نقدية اكبر مما تحتفظ الولايات المتحدة واسطولها البحري هو الاضخم الذي يعبر بحار ومحيطات العالم، دعونا نحب هذا الوطن حبا ممارسا لا حبا كاذبا، اذ أن كل ما لدينا يؤكد قدرتنا على اجتراح المعجزات وتقديم الدولة النموذج، وكل ما يجب ان نفعله هو ان نعشق وطننا، وان نروي ارضه بحبات عرقنا، وان نتعامل معه كوطن لا كصالة قمار أو مشروع استثماري أو قاعة ترانزيت.
والسلام على هذا التراب العربي العزيز، السلام على قيادته وعلى مواطنيه الطيبيين، السلام على سواعدنا وعقولنا ووحدتنا المقدسة وانتمائنا القومي، فهذه كلها اغلى من الذهب والنفط وبها يبنى الوطن ويزداد عزة وكرامة وكبرياء.
Kmahadin@hotmail.com