حوار في الفراغ (لا طاولة ولا متحاورين)

لكل حوار طرفان, او لنقل طرف حكومي مقابل الاطراف الاخرى من قوى وفعاليات المجتمع, تيارات واحزاب ونخب ومنظمات المجتمع المدني. ومثل هذا الحوار لا ينطبق بأي صورة من الصور, على الحوارات القائمة حاليا حول قانون الانتخاب الجديد.
الاحزاب تُصدر بيانات للاعلان عن رأي ومطالب, والشخصيات والنخب تقيم الندوات او تكتب المقالات لابداء موقف او المطالبة باجراء تعديل ما على الصوت الواحد او الغائه, أما الكتاب والصحافيون فهم يحاورون انفسهم, هذا يقترح فكرة فيرد عليها آخر, وهكذا تدور ماكنة حوار غير مجد وفي الفراغ.
من جملة ما نسمع, من معلومات او تحليلات,ان اللجنة الحكومية المشكلة لوضع قانون الانتخاب, ليست سوى غطاء للجنة اخرى غير معلنة عاكفة على طبخ هذا القانون بعيدا عن الاضواء والمجادلات, وسواء صحت هذه المعلومة او لا, فمجرد تداولها يؤكد عدم وجود ثقة في الاوساط الشعبية المعنية بالحوارات المعلنة حول مواد القانون وعدد الدوائر, والاعتقاد السائد انه امر واقع ستفرضه القوانين المؤقتة على الناس.
في قراءة الحالة الراهنة, التي تم وصفها بانها مرحلة الاصلاح السياسي, ستكون اهم خطوة تجاه الاصلاح اعلان الحكومة ومراكز الدولة المعنية الاخرى بان لديها مشروعا اوليا يجري اعداده لوضع قانون الانتخابات العامة, وانها »كسلطة تنفيذية« ستقوم بعقد مائدة, او عدة موائد للحوار مع الاطراف الاخرى, التي يُعْتَرَف بوجود دور لها في الشارع وبقدرتها على تمثيل قطاعات من الشعب.
وكذلك تسمية ودعوة الاطراف الذين ترى الدولة انه يجب ان تكون لهم مشاركة في المعركة الانتخابية وفي تركيبة مجلس النواب القادم لهذا الحوار, خاصة ممثلي القطاعات التي لها »كوتا« مثل المنظمات النسائية ومنظمات حقوق الانسان والاقليات الاثنية.
اما الاكتفاء بتشكيل لجان حكومية, للاستماع لآراء ومطالب وفود وشخصيات في قانون الانتخاب ثم الاكتفاء (بالوعد خيرا) فهذا ليس من ادبيات ولا تراث العملية الانتخابية النزيهة في اي بلد من البلدان التي تريد ان تكون الانتخابات النيابية بداية مرحلة مفتوحة على الديمقراطية والتنمية والوحدة الوطنية.. الخ.
على مدى اكثر من 15 عاما على وضع قانون الصوت الواحد, لم تتوقف القوى السياسية والشعبية والحزبية عن الدعوة الى الغائه, واجراء تعديلات عليه تسمح بوضع حد لانهيار دور مجلس النواب, فاللجوء الى حل المجلس مرتين خلال 10 سنوات دليل ازمة سياسية تتعلق بتشكيل السلطة التشريعية وقانونها, وهو مؤشر قاطع على ان قانون الصوت الواحد بصيغته الحالية عاجز عن انتاج مجلس نيابي ينال ثقة الشعب ويكون في مستوى التحديات السياسية والاقتصادية.
على طاولة هذا الحوار بين الحكومة كطرف, وبين ممثلي قوى المجتمع الاخرى, قد تعلن الدولة تمسكها القاطع بقانون الصوت الواحد, وقد تنجح الاطراف الاخرى بعدم اغلاق الباب امام ادخال جملة تعديلات, على القانون مثل القائمة النسبية, والصوتين (واحد للدائرة وواحد للوطن) او اقتراح العمل بالقوائم الانتخابية بما يُلْزِمُ كل مرشح الانتساب الى قائمة.
من دون حوار صريح وشفاف, يسبقه تحديد اطرافه واهدافه, ستظل المقترحات والافكار والاراء المختلفة تدور في فراغ, وستبدو الحكومة دائما في وضع الوصي المتحكم في كيفية تعبير المواطنين عن ارادتهم وحقهم المقدس في الاختيار.0