همسة في أذن الرئيس المكلف..
تكليف شخصية ما برئاسة حكومة جديدة، ليس أمراً سهلاً، وهي مهمة وطنية كبيرة، ومسؤولية لا يُحسد عليها أي رئيس.. ويزيد من حجم الأهمية والمسؤولية، أن التكليف الجديد يركّز، وربما لأول مرة في تاريخ تشكيل الحكومات الأردنية، على طريقة اختيار الوزراء، وضرورة أن يكونوا من أهل القدرة والكفاءة ومن ذوي الرؤية الواضحة القادرين على تفهّم أبعاد المرحلة ومتطلباتها، وأن تعمل الحكومة بثقة وشفافية دون تراخٍ أو تباطؤ، وأن لا تتردد أو تخاف من اتخاذ قرارات لحسابات شعبية أو انتهاجاً لسياسات استرضائية..!!
هذا الأمر يستدعي إفساح فرصة كافية للرئيس المكلف لكي ينتقي أعضاء حكومته بمنتهى الموضوعية والشفافية والحرية، ضمن إطار التوجيه الملكي، ويؤشر إلى أن الملك يُحمّل الرئيس المكلف مسؤولية اختيار فريقه الوزاري، مما يُفهم منه بأن أحداً لن يتدخل في اختيار الوزراء باستثناء الرئيس نفسه، وأن ما سيُحريه من مشاورات، وهنا لن تكون هناك مشاورات برلمانية في غياب مجلس النواب، سيتحمل مسؤوليتها الرئيس وحده، فالفريق سيكون فريقه، والوزراء الذين سيختارهم سيتحملون معه تضامنياً مسؤولية إدارة شؤون البلاد كسلطة تنفيذية تمتلك سلطة وصلاحيات تسيير الجهاز العام ومرافق الدولة المختلفة..
في ظل هذه المعادلة، وهي صعبة ومعقدة كما أشرت، فإن على الرئيس الذي كان إلى مرحلة ليست بعيدة قريباً من تفكير الملك، ويعلم جيداً أن الملك يتطلع إلى إصلاح حقيقي ملموس في مناحٍ مختلفة من الدولة، وأن كتاب التكليف يشير إلى أن الحكومة الجديدة لن تكون بمنأى عن المساءلة والمحاسبة عن أدائها وبرامجها، عليه أن يوازن بين مسألتين مهمتين: الانتقاء والمواءمة الدقيقة لاختيار شخصيات تجمع بين الثقة والكفاءة معاً، وهذا يستدعي توافر مواصفات شخصية مهمة أيضاً تُهيّىء حضوراً فاعلاً للحكومة، وخصوصاً في غياب مؤسسة البرلمان، وهي مسؤولية إضافية تُلقى على كاهل على الحكومة، وخصوصاً في مجال الرقابة الذاتية والشفافية ومساءلة مسؤولي القطاع العام، ما يفرض عليها أن تعمل كل شيء في النور فلا تخفيه تحت أي ذريعة، وكذلك في مجال التشريعات، فلا تُصدر أية قوانين مؤقتة إلاّ إذا توافرت ضرورات حقيقية لذلك..
من جانب آخر، هذه الأرضية، تُحتم أيضاً على الرئيس المكلف أن يسعى إلى تشكيل حكومة مبادِرة، لا تنتظر دائماً أن تهبط عليها مبادرات الملك لكي تقوم بتنفيذها، بل عليها أن تلتقط أفكار الملك بذكاء، وتعمل على تنفيذها بأمانة وكفاءة، وهذا أيضاً يتطلب وجود وزراء يفهمون الواقع الأردني فهماً عميقاً، ويدركون متطلبات تحسين هذا الواقع وأولوياته، وبغير ذلك، سيصطدم الرئيس بممارسات غير مرغوبة لوزراء في فريقه، ويفاجأ بتجاوزات لبعضهم تنم عن فهم مغلوط لمتطلبات المرحلة وربما تتناقض معها، ما سيوقع الحكومة والرئيس في حرج شديد..!!
مهمة الرئيس سمير الرفاعي لن تكون سهلة، ولكن الشاب الذي تعلم في مدرسة القصر وتفهّم طريقة تفكير الملك، ونشأ في بيت رجل دولة عريق وسياسي مخضرم ذي باع طويل في السياسة وإدارة الشؤون العامة للدولة، سيتمكن من تحقيق نجاحات تتوافق مع رؤية سيد البلاد، ولكن ذلك يعتمد بالمقام الأول على نجاحه أولاً في اختيار فريق وزاري قوي وأمين..