من الذي افسد العالم .. الساسة أم الاقتصاديون؟

يعيش العالم بأسره هذه الايام ، مرحلة انحطاط ونكوص وتراجع ، لم يعرفها في اية حقبة زمنية سابقة ، حتى لمئة عام خلت ، ولم تسلم منها دولة على الاطلاق ، بل وصلت الى الجميع دون استثناء ، او استئذان ، والاسباب مختلفة.
هل بدأ نجم الرأسمالية بالافول ؟ هل اصبح الخراب اكبر من يصلحه احد؟ مهما كانت قدرة ذلك الاحد؟ ثم ما الذي جعل كل هذه الامبراطوريات من الاقتصاديات العالمية ، تهوي بين عشية وضحاها ، وكأنها لم تكن قائمة في يوم من الايام؟.
ان الامثلة على ذلك كثيرة ، وفي مختلف البلدان ، فعلى سبيل المثال ، وبينما تغرق امريكا في مستنقع افغانستان ، تعجز عن تقديم العلاج الفوري والمستمر ، للجرحى العسكريين العائدين من هناك ، رغم هدرها للمليارات على موازنة الحرب.
بريطانيا تعاني هي ايضا من نكسة كبيرة ، لم تشهدها منذ حوالي تسعين عاما ، اذ تقدّر الخسائر بثمانمائة مليار جنيه استرليني ، وهذا الرقم ضخم جدا ، وقد انعكس التراجع على القطاعين الصناعي والتجاري على السواء.
دبي وما جرى لها في الاسابيع الاخيرة ، من محاصرتها من قبل البنوك العالمية الدائنة ، وعجز حكومتها عن سداد ديونها ، حتى انها بدأت تتوسل الى بعض البنوك ، ان تعيد جدولة الديون لستة اشهر قادمة ، ما اثـّر كثيرا على وضعها بين الدول ، واصابها بنكسة قوية.
حتى رغم دعم حكومة ابوظبي لها بعشرة مليارات دولار ، لتسديد جزء من الديون الهائلة المتراكمة عليها ، الا انها ما زالت عاجزة عن تسديد النسبة الكبيرة من تلك الديون ، لدرجة ان مئات الالاف من العمال العرب والاسيويين هناك ، اصبحوا في مهب الريح ، بعد ان عملوا لاشهر ، دون تحصيل لرواتبهم.
هنا تبرز الكثير من الاسئلة ، فهل هو سوء التخطيط ؟ ام انه التهور والتوسع ، الذي لا يعتمد على الواقع ، وقراءة المتغيرات على الارض ، فلا ثبات في الاقتصاد ، ولا يوجد ربح فقط دائم ، بل هناك ميزان يميل ذات اليمين وذات الشمال.
وان نظرة سريعة على الكثير من دول العالم ، تكفي لمعرفة أي درجة من التراجع ، قد بدا واضحا على اقتصادياتها ، فعمليات ضبط الانفاق مستمرة ، والدعوة الى الاقتصاد والتوفير وشد الاحزمة ، تحض عليه جميع الانظمة ، وحدّث ولا حرج.
ان النموذج الغربي ، بدأ يأخذ منحى سلبيا ، بل ومكروها لدى شعوب الدول النامية والفقيرة ، والاسباب واضحة ، وهو غرق تلك الدول باستغلال نفوذها وقوتها ، في السيطرة على بعض البلدان ، وتدمير اقتصادها ، وما شهدناه من نهب وسلب وتدمير للعراق ، دليل واضح.
حتى ان عنجهية رئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير ، حليف جورج بوش الصغير ، صرّح مؤخرا ، بانه لم يكن ليتردد بغزو العراق وتدميره والقضاء على نظامه ، حتى بدون مبرر: لوجود اسلحة الدمار الشامل؟.
وهذه العنجهية والصلف ، هي التي اوصلت الادارة الامريكية ، الى ارسال الالاف من جنودها المتعبين ، الى بلاد الافغان ، لحاجتهم للانخراط في الجيش الامريكي ، رغم ايمانهم ان بلادهم ليست على حق ، وان ما يقومون به ، هو تقتيل بلا مبرر مقنع.
ومع ان الولايات المتحدة الاميريكية تخسر المليارات من الدولارات هناك ، الا انها مصرّة على المضي بحربها ، حتى تدفن اخر طفل وعجوز افغانيين ، وهي لا تدرك ان لعنتهم ستصيبها ، ان عاجلا ام اجلا.
اعتقد اننا نعيش الان في عالم محطم متهاوْ ومدمر ، بين الجنوب والشمال ، بين تلك الدول الغنية ، التي تملك الطاقة والاقتصاد ، ولنا ان نتخيـّل ان عشرين في المئة فقط من سكان العالم ، يسيطرون على حوالي ثمانين في المئة من موارد العالم الطبيعية ، حتى وصل الامر الى ان عشرات الآلاف يموتون يوميا في الدول الفقيرة بسبب الجوع.
من منا لم يسمع عن السوق الاوروبية المشتركة ، وصناديق الدعم للدول الفقيرة ، وكل هذه التكتلات التي تعقد لها المؤتمرات ، ويصرف عليها بالملايين ، ومن ضمنها دافوس الذي لم نرَ منه الا المنظـّرين يجلسون ، ويضعون ارجلهم فوق بعضها ، يتحدثون ويبتسمون ، ثم يغادروننا كانهم لم ياتوا.
اقتصاديات اعتمدت في ارباحها على صناعة الات الحرب والدمار ، واخرى تم صرفها على الحجارة والتطاول في البنيان ، والتفاخر ببناء ناطحات الفضاء ، وكأن بعضهم يريد ان يبني سلما ، يخاطب من نافذته سكان السماء.
فكرت كثيرا وانا اتابع البرنامج الامريكي المعروف (DR PHIL) وقداستضاف بعض الجرحى الامريكيين العائدين من العراق وافغانستان ، وهم يصبّون جام غضبهم على النظام الصحي الامريكي ، الذي اهملهم ، وتاخر بتقديم العلاج السريع لهم في بلادهم.
وقلت - في نفسي: - أي تناقض بين ان تخصص امريكا ، مئات الملايين بل المليارات لادارة الحروب وزرع الشر في العالم وقتل الابرياء ، بينما تقف عاجزة عن الاهتمام بمن ارسلتهم ، ليكونوا حطبا لنيرانها.
وقارنت بينهم ، وبين ابناء غزة وجراحهم التي ما زالت تنزف ، وقد صفـّق العرب الاثرياء لصمودهم ، ووعدوهم بارسال الاموال التي تطفح بها خزائنهم ، لكنهم لم يفعلوا ، بل نسوا الموضوع برمّته ، وتناسوا حتى اذا كانت هناك مدينة ، تدعى غزة من الاساس.
يسير العالم اليوم نحو منحدر خطير ، من الجوع والبطالة والفقر في الدول النامية ، وانهيار للاقتصاديات لفشل التخطيط لها منذ البداية في الدول القوية والعملاقة في ثرواتها ، ويستمر مسلسل الغزو ولعب ادوار المنقذين للحرية والديموقراطية ، وهم يعبّدونها باجساد الابرياء ، في كثير من الدول.
من يحاكم من ؟ ومن يقوى على الوقوف في وجه القوي؟ ليقول له كفى قتلا وتدميرا وظلما وفسادا في الارض ، ومن ذا الذي يقول لاصحاب الخزائن التي اتخمت بالمال الحرام ، بان يطعموا الملايين من الافواه الجائعة ، على امتداد الكرة الارضية.
سؤال يحتاج الى اجابة ، من يا ترى الذي افسد العالم الى هذه الدرجة ، هل هم الساسة ؟ ام الاقتصاديون؟ ام كلاهما معا.
HOYANM@YAHOO.COM