من الذي افسد العالم .. الساسة أم الاقتصاديون؟

تم نشره الخميس 17 كانون الأوّل / ديسمبر 2009 10:22 صباحاً
من الذي افسد العالم .. الساسة أم الاقتصاديون؟
محمود ابراهيم الحويان

يعيش العالم بأسره هذه الايام ، مرحلة انحطاط ونكوص وتراجع ، لم يعرفها في اية حقبة زمنية سابقة ، حتى لمئة عام خلت ، ولم تسلم منها دولة على الاطلاق ، بل وصلت الى الجميع دون استثناء ، او استئذان ، والاسباب مختلفة.

هل بدأ نجم الرأسمالية بالافول ؟ هل اصبح الخراب اكبر من يصلحه احد؟ مهما كانت قدرة ذلك الاحد؟ ثم ما الذي جعل كل هذه الامبراطوريات من الاقتصاديات العالمية ، تهوي بين عشية وضحاها ، وكأنها لم تكن قائمة في يوم من الايام؟.

ان الامثلة على ذلك كثيرة ، وفي مختلف البلدان ، فعلى سبيل المثال ، وبينما تغرق امريكا في مستنقع افغانستان ، تعجز عن تقديم العلاج الفوري والمستمر ، للجرحى العسكريين العائدين من هناك ، رغم هدرها للمليارات على موازنة الحرب.

بريطانيا تعاني هي ايضا من نكسة كبيرة ، لم تشهدها منذ حوالي تسعين عاما ، اذ تقدّر الخسائر بثمانمائة مليار جنيه استرليني ، وهذا الرقم ضخم جدا ، وقد انعكس التراجع على القطاعين الصناعي والتجاري على السواء.

دبي وما جرى لها في الاسابيع الاخيرة ، من محاصرتها من قبل البنوك العالمية الدائنة ، وعجز حكومتها عن سداد ديونها ، حتى انها بدأت تتوسل الى بعض البنوك ، ان تعيد جدولة الديون لستة اشهر قادمة ، ما اثـّر كثيرا على وضعها بين الدول ، واصابها بنكسة قوية.

حتى رغم دعم حكومة ابوظبي لها بعشرة مليارات دولار ، لتسديد جزء من الديون الهائلة المتراكمة عليها ، الا انها ما زالت عاجزة عن تسديد النسبة الكبيرة من تلك الديون ، لدرجة ان مئات الالاف من العمال العرب والاسيويين هناك ، اصبحوا في مهب الريح ، بعد ان عملوا لاشهر ، دون تحصيل لرواتبهم.

هنا تبرز الكثير من الاسئلة ، فهل هو سوء التخطيط ؟ ام انه التهور والتوسع ، الذي لا يعتمد على الواقع ، وقراءة المتغيرات على الارض ، فلا ثبات في الاقتصاد ، ولا يوجد ربح فقط دائم ، بل هناك ميزان يميل ذات اليمين وذات الشمال.

وان نظرة سريعة على الكثير من دول العالم ، تكفي لمعرفة أي درجة من التراجع ، قد بدا واضحا على اقتصادياتها ، فعمليات ضبط الانفاق مستمرة ، والدعوة الى الاقتصاد والتوفير وشد الاحزمة ، تحض عليه جميع الانظمة ، وحدّث ولا حرج.

ان النموذج الغربي ، بدأ يأخذ منحى سلبيا ، بل ومكروها لدى شعوب الدول النامية والفقيرة ، والاسباب واضحة ، وهو غرق تلك الدول باستغلال نفوذها وقوتها ، في السيطرة على بعض البلدان ، وتدمير اقتصادها ، وما شهدناه من نهب وسلب وتدمير للعراق ، دليل واضح.

حتى ان عنجهية رئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير ، حليف جورج بوش الصغير ، صرّح مؤخرا ، بانه لم يكن ليتردد بغزو العراق وتدميره والقضاء على نظامه ، حتى بدون مبرر: لوجود اسلحة الدمار الشامل؟.

وهذه العنجهية والصلف ، هي التي اوصلت الادارة الامريكية ، الى ارسال الالاف من جنودها المتعبين ، الى بلاد الافغان ، لحاجتهم للانخراط في الجيش الامريكي ، رغم ايمانهم ان بلادهم ليست على حق ، وان ما يقومون به ، هو تقتيل بلا مبرر مقنع.

ومع ان الولايات المتحدة الاميريكية تخسر المليارات من الدولارات هناك ، الا انها مصرّة على المضي بحربها ، حتى تدفن اخر طفل وعجوز افغانيين ، وهي لا تدرك ان لعنتهم ستصيبها ، ان عاجلا ام اجلا.

اعتقد اننا نعيش الان في عالم محطم متهاوْ ومدمر ، بين الجنوب والشمال ، بين تلك الدول الغنية ، التي تملك الطاقة والاقتصاد ، ولنا ان نتخيـّل ان عشرين في المئة فقط من سكان العالم ، يسيطرون على حوالي ثمانين في المئة من موارد العالم الطبيعية ، حتى وصل الامر الى ان عشرات الآلاف يموتون يوميا في الدول الفقيرة بسبب الجوع.

من منا لم يسمع عن السوق الاوروبية المشتركة ، وصناديق الدعم للدول الفقيرة ، وكل هذه التكتلات التي تعقد لها المؤتمرات ، ويصرف عليها بالملايين ، ومن ضمنها دافوس الذي لم نرَ منه الا المنظـّرين يجلسون ، ويضعون ارجلهم فوق بعضها ، يتحدثون ويبتسمون ، ثم يغادروننا كانهم لم ياتوا.

اقتصاديات اعتمدت في ارباحها على صناعة الات الحرب والدمار ، واخرى تم صرفها على الحجارة والتطاول في البنيان ، والتفاخر ببناء ناطحات الفضاء ، وكأن بعضهم يريد ان يبني سلما ، يخاطب من نافذته سكان السماء.

فكرت كثيرا وانا اتابع البرنامج الامريكي المعروف (DR PHIL) وقداستضاف بعض الجرحى الامريكيين العائدين من العراق وافغانستان ، وهم يصبّون جام غضبهم على النظام الصحي الامريكي ، الذي اهملهم ، وتاخر بتقديم العلاج السريع لهم في بلادهم.

وقلت - في نفسي: - أي تناقض بين ان تخصص امريكا ، مئات الملايين بل المليارات لادارة الحروب وزرع الشر في العالم وقتل الابرياء ، بينما تقف عاجزة عن الاهتمام بمن ارسلتهم ، ليكونوا حطبا لنيرانها.

وقارنت بينهم ، وبين ابناء غزة وجراحهم التي ما زالت تنزف ، وقد صفـّق العرب الاثرياء لصمودهم ، ووعدوهم بارسال الاموال التي تطفح بها خزائنهم ، لكنهم لم يفعلوا ، بل نسوا الموضوع برمّته ، وتناسوا حتى اذا كانت هناك مدينة ، تدعى غزة من الاساس.

يسير العالم اليوم نحو منحدر خطير ، من الجوع والبطالة والفقر في الدول النامية ، وانهيار للاقتصاديات لفشل التخطيط لها منذ البداية في الدول القوية والعملاقة في ثرواتها ، ويستمر مسلسل الغزو ولعب ادوار المنقذين للحرية والديموقراطية ، وهم يعبّدونها باجساد الابرياء ، في كثير من الدول.

من يحاكم من ؟ ومن يقوى على الوقوف في وجه القوي؟ ليقول له كفى قتلا وتدميرا وظلما وفسادا في الارض ، ومن ذا الذي يقول لاصحاب الخزائن التي اتخمت بالمال الحرام ، بان يطعموا الملايين من الافواه الجائعة ، على امتداد الكرة الارضية.

سؤال يحتاج الى اجابة ، من يا ترى الذي افسد العالم الى هذه الدرجة ، هل هم الساسة ؟ ام الاقتصاديون؟ ام كلاهما معا.



HOYANM@YAHOO.COM



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات