بوابة التجديد... شخصية الرئيس ام القوانين المؤقتة

لا نستطيع استثناء هذه الحكومة من ثقافة التغيير في مناصب الدولة العليا, وفي مقدمتها تغيير رئيس الوزراء. هذه الثقافة التي تهتم بتغيير الاشخاص اكثر من اهتمامها بالبرامج والوعود وشعاراتها التي تصاحب عادة ميلاد حكومة جديدة.
الحكومة هي شخص رئيس الوزراء. ودَرَجَ القول على تسمية كل حكومة باسم رئيسها حتى بعد مغادرته الكرسي. فيقال حكومة الكباريتي وحكومة المصري والمجالي والطراونة والروابده والفايز وهكذا. وشيوع هذا القول بين اوساط الرأي العام ليس مؤسسا على ثقافة عشائرية اجتماعية فقط جذورها تمتد في ثقافة السلطة الابوية, انما على تجربة مختزنة في عقول الناس, بان الفرق بين حكومة واخرى هو في اشخاص رؤساء وزرائها, اما البرامج فليست محل قياس.
من الميسور في الحياة العامة, ان نرى الفرق بين شخص وآخر والامر ينطبق على رئيس وزراء وآخر. ومن يجلس مثلي منذ سنوات طوال في موقع رئيس تحرير صحيفة يومية وتعامل مع اكثر من 10 رؤساء حكومات يدرك عمق هذا الفرق. رغم ان كل رئيس حكومة جديد يحاول الاختباء بداية خلف كتاب التكليف الملكي, ويحرص على تقديم نفسه بانه منتدب لمهمة تنفيذ بنوده, خاصة عند التوجه الى الصحافة والاعلام.
غير ان مرحلة الاختباء لا تستمر طويلا, فسرعان ما تظهر شخصية الرئيس الحقيقية واسلوبه في العمل, وتصبح هذه الشخصية جزءا رئيسيا من سمات المرحلة التاريخية التي يتولى فيها ادارة الشؤون العامة. والواقع, ان كل رئيس وزراء يغادر الدوار الرابع بعد سنة او سنتين, يحمل معه الى الحياة العامة الشخصية نفسها التي كونها وهو جالس على مقعد الرئاسة. فاذا ما تابعت ندواته واستمعت اليه وهو يتحدث في الجلسات الخاصة والعامة, لا تملك إلا أن تتخيّل هذا الرجل الذي امامك انه لا يزال يفكر كرئيس وزراء وإن كان لا يملك سلطته.
في الواقع لست بصدد وضع دراسة لشخصيات رؤساء الوزارات, هذا ليس غرض هذه المقالة. ما اريد قوله, حبذا لو اهتمت الحكومة الجديدة بالبرامج والقوانين القائمة, مثل التقيد بقانون الموازنة المقر من الحكومة السابقة والحرص على مبدأ الاستمرارية مع المراحل السابقة, حتى لا نقول كمراقبين وجمهور, ان حكوماتنا تُستقبل ببطاقات التهنئة والثناء وتغادر ومعها قوانينها وبرامجها.
اهم مواصفات الاردن, الدولة والوطن هو الاستمرارية. وليس مطلوبا من الفريق الحكومي الجديد ان يُشغِل نفسه, بطبخ القوانين المؤقتة, في ظل مفاهيم تقوم على ان (الامور كانت خربانة) وان الانقاذ يتم باجتراح القوانين »التصحيحية«. فالقوانين الجديدة مهما كانت متألقة, يظل عيبها, انها ستصدر بقانون مؤقت.
البناء الحضاري يكون بالمحافظة على جذور التأسيس التي تشبه الاساسات في البناء مثل التمسك بالدستور وتراكم المنجزات بما يرسخ الروح الوطنية الجامعة, قاعدة كل شرعية, مع الالتفات الدائم لاهمية بناء الثقة بين الشعب والحكومة.
كما ان القوانين النابعة من الدستور (مثل قانون الانتخابات) تصدر دائما »باجواء مهيبة للغاية« حتى يقتنع الناس بقبولها. وكما يذكر المفكرون فان ما يجعل القوانين مهابة وموضع احترام بين الناس هو تقادمها في الزمن. لان الشعوب تسخر من القوانين التي تتغير كل يوم. واضيف كما ان الشعوب ايضا لا تثق بالبرامج الاقتصادية والاجتماعية التي تتغير كفصول السنة. ومن المهم اليوم, وضع قانون دائم للانتخابات يكتسب صفة الاستمرارية وهذا لا يكون من دون تحقيق التفاف وطني حوله.
الخلاصة, ارجو ان تحترس هذه الحكومة من الانزلاق بمصيدة القوانين المؤقتة وبالجملة كما حدث في مرحلة سابقة, فهي ابغض الحلال. واذا كان الطلاق, وهو ابغض الحلال, لم يُحلل الله سبحانه ايقاعه على الزوجة الواحدة الا مرتين. فانه في مسألة القوانين المؤقتة يصعب (تحليله) اذا كانت الانتخابات ستأتي بمجلس جديد خلال عام, فلماذا الاستعجال? خاصة ان هذه المدة في قياس عمر الشعوب اقل من الصفر في الساعة الرقمية. لكن لا بأس من وضع قبضة قوانين على شرط ان تتعهد الحكومة بعرضها على مجلس النواب في اول جلسة له, بغير ذلك سيواصل الناس السخرية من القوانين.