اعتذار الى ابليس

اقرأ في الاخبار ان "سيدة عفيفة" هنا نقلت جرثومة السل الى اثنين من ازواجها ، وثلاثة من عشاقها ، وثلاثة من اطفالها ، واتأمل عميقا ما وصل اليه الانسان من مستوى مُنحط على اكثر من صعيد.
كيف تتمكن "السيدة المصون" من معاشرة زوجين ، متتاليين ، فيموت الاول جراء نقلها له جرثومة السل ، فتتزوج الثاني ، فيموت هو الاخر جراء ذات الجرثومة ، وتكون هي مشغولة في ذات الوقت بغزل "علاقات محرمة" مع ثلاثة رجال ، فتنقل اليهم ايضا جرثومة السل ، ومن الطبيعي اذن في هذه الحالة ان تنتقل الجرثومة الى الاطفال ، كونها مُعدية ، وكونهم يعيشون معها.
ايهما اشد فتكا في هذه الحالة جرثومة السل ام الكائن البشري.الطاعون الاسود لم يكن طاعونا اسود لولا ان نقله البشر الى بعضهم البعض.كل الامراض من الغيرة الى الحسد الى الشك والقتل والجرائم تنتقل على يد البشر ، فكما هناك ظالم هناك مظلوم.الكائن البشري اشد فتكا على بعضه البعض من الجراثيم والامراض ، والكائن البشري افتتح الحياة بجريمة قتل بين هابيل وقابيل ، جراء الحسد والغيرة ، اما السيدة التي عاشرت خمس رجال في المحصلة ، فهي غير طبيعية على الاطلاق.ربما ابليس يستحق منا اعتذارا ، لاننا اتهمناه في كل افعالنا ، برغم ان بيننا من هو اشد فتكا من ابليس ، وربما ابليس يفر اليوم ، بعد ان هزمه الانسان شر هزيمة.
هل كانت السيدة اسيرة لابليس يلعب بها كما يشاء؟لااظن ، لانه مهما امتلك من قدرات فذة فلن يتمكن من الوصول بالقباحة الى هذا المستوى ، من معاشرة خمسة رجال ، اثنين بالحلال ، وثلاثة بالحرام.خمسة رجال وما بين الحلال والحرام ، كانت الغلبة لجرثومة السل التي صّدرتها السيدة العفيفة المصون الى فراش الخمسة. هذا الذي اتضح ، والمخفي اكبر واعظم ، وقد كنا نقول ان الخطيئة طبيعة بشرية ، غير ان قصة "المصون" تتجاوز الخطيئة والخطايا ، الى خلل بشري كبير ، لا تستطيع ان تصفه ، ولو تذكرتم كل هذه المذابح منذ مطلع البشرية الفردية والجماعية ، لاكتشفتم ان قسوة الانسان غلبت قسوة الشيطان ، فالشيطان يريد منك ان لا تعبد الله ، اما الانسان فيريد منك ان تفعل كل شيء ، ولا تتوقف.
يُمازحني احدهم في موسم الحج ، فيقول انه سيرجم ابليس مُلثماً بقطعة قماش على وجهه ، حتى لا يرى ابليس وجهه ، وحين اسأله عن السبب ، يقول انه قد يحتاج ابليس لاحقا ، ولا يريد نسف العلاقات الودية القائمة بين الطرفين ، فاقترح عليه اذن ان لا يحج ، او ان يحسم اموره ويتلقى الحجارة نيابة عن ابليس المربوط ، ما دامت العلاقات الحميمية قد وصلت بينهما الى هذا المستوى المُحرج ، ورمزية ابليس من حيث معنى الشيطنة وكل المعاني الاخرى ، لم تعد تُسعف كل علماء الدين والاجتماع في تفسير كثير من الظواهر والقضايا في حياتنا ، وابليس حتى في عز تمرده في النص القرآني اقسم بالله ، ونقرأ في القرآن..(فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين إلاّ عبادك منهم المخلَصين)..فابليس في عز تحديه يقسم بالله العظيم ، ويصف عباد الرحن حقا ، بأنهم العباد المخلصون ، انظروا وتأملوا انه لم يُنكر الله ، اما بعضنا فقد انكرت افعاله الله العظيم.
نلعن ابليس كل لحظة ونرى في افعال بعضنا ما يفوق ما يريده ابليس ، ونُجّيرالاتهامات على طريقة المبني للمجهول ، ونقول ان ابليس كان السبب ، وقد نكتشف يوم الوقوف بين يدي الله عز وجل ، العادل العظيم ، ان بعض افعالنا كان سببها ابليس حقا ، وبعض افعالنا كان سببها نحن فقط دون وسوسة ولا وسواس ، ولا تصالح مع الذات الا اذا استطاع المرء ان يفصل بين ما يُوسوس به ابليس ، ومايوحي به العقل البشري لصاحبه.
قبل ان نُحاكم المرأة على فعلتها ، علينا ان نعتذر لابليس اولا ، لان هناك من سبقه ، ذكورا واناثا ، في كل شيء ، وعلى ابليس ان يُحيل نفسه للتقاعد ويأخذ استراحة بحرية براتب شهري ، فقد فشل في مهمته فشلا ذريعا ، وتم الصاق كل التهم الثقيلة والخفيفة ، على ظهره ، وهو من بعضها براء.
اللهم انا نستغفرك اناء الليل واطراف النهار.
mtair@addustour.com.jo