يا غزة هذا الوطن لا يتسع لنا ولك!

لم يكن مجرد عام واحد هذا الذي مر على غزة.
بالنسبة للاخرين الساكنين هذه المساحة بين المحيط والخليج، كان أكثر من الف عام، وأكثر من الفي عام، وبات من الصعوبة أن تفتش في الذاكرة القومية لتجده في زاوية بعيدة حدثا صغيرا لا يختلف عن تدهور مركبة أو سقوط عن دراجة هوائية أو نارية او اصطدام رأس طفل بدميته الناعمة.
لم يكن مجرد عام واحد هذا الذي مر على غزة.
كان ألف عام من العزلة، وألف عام من الحصار، وألف عام من الموت، والف عام من البحث عن حليب لطفل أو دواء لمريض او خبز لجائع، لكن الغزيين ظلوا يسيرون في شوارعنا الوطنية وشوارعنا القومية وشوارعنا الاسلامية وقد علت وجوههم دهشة موجعة وسؤال قاتل: لماذا يركض كل هؤلاء الأشقاء في الشوارع والأزقة بلا رؤوس؟ لماذا نحن وحدنا الذين نسير في وقار ونمشي في خيلاء ونجلس في طمأنينة، ونتحدث في وضوح، وقد أنسانا وقارنا وخيلاؤنا وطمأنينتنا ووضوحنا طعم الخبز ورائحته واستدارته وحاجتنا اليه؟! في مثل هذا اليوم من عام مضى، بدأ العدو الصهيوني حرب إبادة ضد غزة الرؤوس وغزة الصمود وغزة الايمان وغزة الرفض وغزة البندقية، هدم المباني ولم يهدم روح طفل، ومزق الجثث ولم يمزق وقار عجوز، وطلى الجدران بالموت والسواد دون ان يصل ببشاعته الى وجه امرأة غزية، كانت تزغرد وتوحد وتطلق الاغنيات، وفي آخر الليل تستند الى ما تبقى من بيتها، وحولها ما تبقى من اطفالها، وتقرأ سورة الانفال.
دعونا لا نتوقف يوما واحدا مع حزنها المقاوم، وجوعها المقاوم ويتمها المقاوم، ثم نتركها بقية العام وحيدة في خندق الدفاع عن حياة الأمة وشرفها.
دعونا لا نقدم العزاء لأسرة غزية واحدة، فالعزاء يقدم لمن يطلبون الحياة وليس لمن يطلبون الشهادة، وعندما ترفع بيوت في غزة أعلامها السود، فليس حدادا على من رحل من اطفالها ونسائها وشيوخها ومقاتليها، لكنه حداد على الذين اخذوا مقاعدهم أمام المسرح، وراحوا يتابعون الحرب على غزة وأهلها دون ان يتوقفوا عن شرب المرطبات والتسلي بالبوشار.
قبل اكثر من عام، وفي هذه الزاوية كتبت عن (غزة التي لم تهزم) وقلت مشغولة انت بالصلاة، وباحتضان ابنائك واحفادك بين اصابعك الدافئة، ومشغولون نحن ببورصاتنا وملاعب اقدام لاعبينا، والاغاني العارية والابراج التي ترتفع فوق ترابنا عشرين طابقا، ولكنها لا تظهر بين حجارة قبور الشهداء التي ترتفع قطرة دم واحدة. اعذرينا اذا تأخرنا عن تشييع اطفالك وصباياك وشبابك وعجائزك، فقد وصلت الدعوة متأخرة، ودائما تصل متأخرة ولا نقرأ سطورها الا بعد أربعين رحلينا.
kmajadin@hotmail.com