وزير الزراعة .. استقالة أم مناورة?

المصري اتخذ الموقف الصحيح والكرة في ملعب الرفاعي
27/12/2009
لا يتحمل وزير الزراعة مسؤولية قانونية عن الاختلاس المالي الذي وقع في وزارته, وقد بادر بنفسه الى الاعلان عن واقعة الاختلاس وقدم لوسائل الاعلام ما تحتاجه من معلومات بما لا يضر بسير التحقيق, والقضية ما زالت في مراحلها الاولى ولم يصدُر اتهام رسمي للمشتبه بتورطهم في القضية. بيد ان ذلك لم يمنع وزير الزراعة من الاعلان عن استعداده لتقديم استقالته تعبيرا عن شعوره بالمسؤولية عما جرى.
موقف الوزير سعيد المصري صحيح مئة بالمئة, فالوزير حسب المادة 47 من الدستور »مسؤول عن ادارة جميع الشؤون المتعلقة بوزارته«.
واقعة السرقة حصلت على مدار عدة اشهر ماضية كان المصري خلالها في موقع المسؤولية وبينما كان يقسم امام الملك وزيرا في حكومة سمير الرفاعي بان »يحافظ على الدستور ويخدم الامة ويقوم بالواجبات الموكولة إليه بأمانة« كانت خيوط القضية تتكشف, وانشغل المصري في متابعة التحقيق بينما زملاؤه يتلقون التهاني بالمنصب الوزاري.
برر المصري استعداده للاستقالة بالقول انه لا يريد احراج الحكومة وان هناك ضغوطا من قبل الرأي العام ولذلك »اضع نفسي تحت تصرف رئيس الوزراء« انسجاما مع المسؤولية الادبية والاخلاقية.
لا شك ان الرأي العام سيُقدّر موقف المصري واحترامه لنفسه, وحرصه على تجنيب الحكومة الاحراج وهي ما زالت في اول عهدها. لكن القرار بهذا الشأن ينبغي ان لا يُترك لكرم أخلاق الوزير وانما المطلوب هو تكريس تقليد سياسي يتحمل بموجبه كل وزير او مسؤول النتائج المترتبة على تولي المسؤولية العامة. وفي بلدان العالم المتحضر صارت الاستقالة في حالات مشابهة اجراء روتينيا لا يحتاج الى خطوات تمهيدية من الوزير, او للمناقشة من طرف حكومته. في بلادنا كان الوزراء يخشون الاقدام على هذه الخطوة خوفا من القول انهم شركاء في الجُرم الى جانب تمسكهم بالمنصب الوزاري طبعا.
لكن الحقيقة عكس ذلك تماما, فالاستقالة في مثل حالة »الزراعة« هي بمثابة صك براءة للوزير وشهادة بشجاعته في تحمل المسؤولية, أما بالنسبة للحكومة فان بقاء الوزير هو الذي يخلق الازمة بينما الاستقالة تجنبها إشكالية مع الرأي العام.
اول قرارات الحكومة الجديدة كان اصدار مدونة سلوك للوزراء, واول نشاطات الرئيس كانت زيارات لمؤسسات مكافحة الفساد وديوان المحاسبة و»دار القضاء«. وفي ذلك كله رسائل التزمت الحكومة بموجبها تعميم المساءلة والشفافية ومحاربة الفساد وعدم التهاون مع المقصرين وصون المال العام ... الخ.
قضية »الزراعة« تشكل امتحانا جديا لارادة الحكومة ومدى التزامها بتعهداتها. وزير الزراعة يبدو مستعدا لتحمل المسؤولية »الدستورية«, فأي موقف سيتخذ رئيس الوزراء من طلب وزير الزراعة الاستقالة?
الاوساط الشعبية تعتبر اعلان رغبة الوزير بالاستقالة مجرد مناورة تنتهي بالرفض من قبل رئيس الوزراء وبذلك يُطوى الملف, فلا يعود »للمسؤولية الادبية والاخلاقية« اية قيمة. فهل تكرّس الحكومة هذا الانطباع السلبي أم انها ستُفاجئ الرأي العام بقرار شجاع.0