التساؤلات التي يطرحها ترشح البرادعي

فجرت تصريحات السيد محمد البرادعي الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية والذي انتهت ولايته قبل اسابيع جدلا صاخبا في مصر بعد ان شن عدد من كتاب الصحف التابعة للنظام المصري هجوما حادا على البرادعي حيث استهجن البعض ان يستجيب البرادعي لدعوة احزاب المعارضة بالاعراب عن نيته التفكير بالترشح للانتخابات الرئاسية القادمة اذا سمح له بذلك.
البرادعي في تصريحاته قدم تحليلا وتشخيصا للاوضاع القائمة في مصر ، واظهر سلبيات كان يمكن تجنيها واخطاء وتجاوزات كان يمكن عدم الوقوع بها حسب رأيه والاهم هو انتقاده لنهج عام كان في رأيه بعيدا عن خدمة مصر ومراعاة مصالح الشعب المصري.
ومن المقرر ان يصل البرادعي الى القاهرة يوم 15 كانون الثاني القادم للاقامة نهائيا في مصر ، وقد دعت بعض احزاب المعارضة ووسائل اعلام خاصة الى تنظيم استقبال شعبي جماهيري للبرادعي بعد وصوله ، وتحمل هذه الدعوة ايحاء بأن هنالك في مصر من يراهن على ان يكون البرادعي هو الشخصية المصرية الذي يمكن ان يكون الخيار الصحيح للمرحلة القادمة ، وتمهيدا لاستقباله دعت احزاب المعارضة الى تجمع حاشد يوم 12 كانون الاول الحالي وهتفت الجماهير «يا برادعي تعال معانا ، يا برادعي تعال وثور ضد الظلم او ضد الجوع».
واذا ظل البرادعي مصمما على الترشح للرئاسة فإن هذا سيربك حسابات الحزب الوطني الحاكم الذي يملك الاكثرية ، في مجلس الشعب وله نفوذ كبير يؤهل مرشحه للفوز المريح عندما لا يكون هنالك منافس حقيقي ، واذا قرر الرئيس مبارك انه سيعاود الترشيح لفترة رئاسية جديدة في العام 2011 او كان الخيار الآخر ترشح نجله جمال مبارك وهو الارجح فإن ترشخ البرادعي امام جمال مبارك يجعل المقارنة بغض النظر عن النتيجة المقررة سلفا لصالح جمال هي مقارنة لصالح البرادعي عمليا رغم كل طوفان المقالات والتصريحات والندوات التي تشير الى ان البرادعي بلا خبرة سياسية ، وهذا في الحقيقية تضليل فالبرادعي كان وكيل وزارة الخارجية المصرية وسفير مصر في اكثر من عاصمة اوروبية ومحفل دولي وبما يملكه من خبرة وتميز جرى ترشيحه لمنصب رفيع وحساس هو وكالة الطاقة الذرية وقد نجح في هذا المنصب رغم ان امريكا لم تكن معه لا ابتداء ولا انتهاء لكنه فرض احترامه ، وحتى عندما كذب بشكل صريح قبل حرب العام 2003 عدم امتلاك العراق لسلاح نووي او برنامج نووي وهذا هو اختصاصه اتهمته امريكا بأنه يغلب عاطفته العربية على مهنيته ، فرد بالقول انه واثق ان العراق لا يملك حتى اسلحة كيماوية او بيولوجية ، وان العراق قد انهى كل برامجه السابقة استجابة لقرارات الامم المتحدة وهو ما ثبت صدقه فيما بعد ، وحتى لو تم تناسي مواقفه السابقة فإن موقفه من المشروع النووي الايراني والاتهامات الموجهة لسوريا بامتلاك مفاعل في اطار التطرف والابتزاز في استهداف الآخرين من قبل الذين لا ترضى عنهم اسرائيل من قبل امريكا بما فيها كوريا الشمالية وذلك كله لم يكن مقبولا من البرادعي وظلت تقاريره حول العالم تتسم بالنزاهة والموضوعية.
وما يعنينا حقيقة ليس هو الرهان على البرادعي او غيره ، وانما الرهان على مصر التي يمكن ان تقدم نموذجا للتطلع الى تحولات ايجابية فيها للنظام العربي والتطلع الى حالة نهوض مصري يمكن ان تقود العمل القومي كما كانت ذات يوم قريب للخروج من المأزق العربي الحالي الذي قادت مصر العرب له منذ كامب ديفد ,1979