عام المواثيق!

نغادر العام 2009 عام الزراعة بأداء متواضع من الجهات المختلفة وفي مقدمتها وزارة الزراعة على صعيد تحقيق إنجاز في الطريق نحو إعادة الاعتبار لها قطاعا اجتماعيا واقتصاديا وأيضا اختلاس كبير من أموال الزراعة، لكننا نخشى ان ندخل العام الجديد ونحوله الى عام مواثيق الشرف.
بعد توقيع ميثاق الشرف داخل الحكومة، هنالك سلسلة من المواثيق ظهرت أو تم الحديث عنها منها ما هو داخل أمانة عمان، وآخر بين الحكومة والإعلام، وآخر سيأتي بين الحكومة ومجلس النواب بعد إجراء الانتخابات، وربما نسمع غدا عن مواثيق داخل الجامعات وأخرى في البلديات والمدارس وداخل النقابات المهنية والعمالية.
لا نريد ان نصل إلى مرحلة تكاثر المواثيق حتى تصل الى داخل بيوتنا بين الرجل وزوجته او المرأة وابنائها وبين "الكنة والحماة" وربما بين الخادمة وسيدة المنزل!
عندما تحدث كتاب التكليف عن مواثيق، فالقصد حالة إلزام لكل صاحب موقع ومسؤولية بأن يلتزم بالقانون ويمارس النزاهة. وكانت لفتة ملكية بأن ما فعلته فئة من الكبار ألحق ضررا بصورة ومكانة المواقع والمؤسسات، وأن الحاجة ماسة لخطوات يشعر معها المواطن أن هنالك حربا على هذا النوع من الفساد، لكننا لا نريد ان نصل الى مرحلة يكون فيها الميثاق "موضة". فهذا يفقده قيمته ويجعله نوعا من الروتين الوظيفي وبخاصة اذا لم يجد الأردنيون ممارسات جادة تنسجم مع الهدف من فكرة الميثاق.
لا تفقدوا فكرة المواثيق الأخلاقية مكانتها بتحويلها إلى اجراء إداري، ولا نريد ان نحول عامنا الجديد الى عام المواثيق والتواقيع، لأن لدينا ما يكفي من التشريعات والقوانين والأهم الأخلاق والأعراف التي تبين الفساد من النزاهة.
وكما أشرت في مقال سابق، فإن القسم على كتاب الله تعالى الذي يقوم به الوزراء والأعيان والنواب وغيرهم أهم من التوقيع على ورقة الميثاق، ومع ذلك فوجود ميثاق أخلاقي يعزز أجواء النزاهة إيجابي، لكن من دون ان نحوله الى روتين وظيفي وموضة ادارية.
وحتى فيما يتعلق بالعلاقة بين الإعلام والحكومة كما ظهر في الميثاق الجديد، ففيه اعتراف بأن هنالك فساداً في العلاقة يمارسه البعض من المسؤولين وأهل الإعلام، وهنا لا يحتاج الأمر الى توقيع ورقة، بل عقوبة للراشي والمرتشي، وإظهار "العين الحمرا" لأي مسؤول يخرج على القانون.
الفساد في أي مجال ليس خروجا على ميثاق سيأتي، بل خروج على القانون النافذ، ولا يجوز أن ننتظر حتى نوقع لنعاقب، بل يمكننا جميعا أن نمارس النزاهة التزاما بالقانون واحتراما لضمائرنا وانتماء لبلدنا.
فكرة الميثاق الأخلاقي جميلة وإيجابية، لكننا لا نريد "استعمالها" بشكل سلبي أو بضخ جائر، بحيث يتحول الأمر إلى مصدر لتندر الأردنيين، ومن لديه الإرادة للنزاهة، فالطريق سهل حتى قبل اختراع او اكتشاف المواثيق.
إعلاء القيم العليا للمجتمع والدولة هو المدخل، لكن من ليس لديه قيم فيمكنه القفز على كل التواقيع، لأن من مارسوا الفساد كانت أمامهم قوانين، لكنهم تلاعبوا بها، لهذا شتمنا فسادا، ولم نعاقب فاسدين.