فتاوى «حلال» .. وشعوب «حلال» ايضا!

يخرج علينا احد المشايخ ليُفتي بأن الجدار الفولاذي العازل بين مصر وغزة ، حلال شرعا ، ويخرج اخر ليقول انه حرام شرعا ، وما بينهما ينقسم الجمهور ، الذي نصفه ضال ، والنصف الاخر مُضلل.
هل معظم قضايا الحياة بحاجة الى فتاوي اساسا ، حتى يقرر الانسان موقفه منها ، فهناك الاف القضايا التي تحسمها الفطرة السوية والعقل البشري ، وليست بحاجة الى فتوى ، مثل فتوى الشيخ الذي يقول ان الجدار الفولاذي حلال شرعا ، مُفيدة ايضا لاسرائيل ، لان جدارها العازل مع الضفة الغربية ، حلال ، لدرء شرور الشعب الفلسطيني ، الشعب الارهابي ، المجرم ، الذي يتوجب قتله وانهاؤه ، وعزله وتقطيع اوصاله ، وارساله الى جهنم حتى يضمن الشيخ وجبة العشاء له ولاولاده.
مثل هذه الفتاوى تهل علينا. احدهم ذات زمن سأل.. هل يجوز قتل ذبابة في المسجد خلال شهر رمضان. السائل والمسؤول لم يموتا ، وما زال لدينا من يسأل هكذا اسئلة ، ويوجد لدينا من يُجيب هكذا اجابات. قبل ايام وصلت الي فتوى عبر الايميل تسأل عن حكم تهنئة الكافر بمناسبة الكريسماس؟ فيجيب الشيخ الجليل انه لا تجوز تهنئة الكافر؟،، تأملوا رعاكم الله اي سلام لبلادنا ومجتمعاتنا ، في ظل هذه العقليات ، فأي منطق يعطيك الحق في حرمان صاحب اي دين او معتقد من لحظة فرح بمناسبة تخصه ، اي عقلية هذه تجعلك تظن انك فوق الناس واحسن من الناس ، ونحن امة نستورد حتى ابرة الخياطة من الكفار ، على حد وصفهم ، وصولا الى لمبة المنزل ، وحبة الدواء؟؟،،.
الذي يسألك ويُشغلك بفتاواه حول تقبيل المرأة في رمضان ، ودخول المسجد بالقدم اليمنى ، ويفتي اخر الامر بفتاوى اسوأ من بعضها ، هو من يسكت على من يُفتي بكون الجدار الفولاذي حلالا ، وبُحرمة معايدة الكافر في الكريسماس. كل هؤلاء عليهم ان يتوقفوا عند حدودهم بدلا من هذا الهدر والهدير. اغلب هؤلاء باستثناء العلماء الصالحين ، معظم هؤلاء يتاجرون بالدين ، ويجعلونه سلعة لاهوائهم ، ويريدون جر المجتمعات خلف هذه الضلالات. الناس وصلت المريخ ، وبعضنا ما يزال يسأل بهل يجوز تحنية يدي الرجل كالمرأة ، وايهما افضل اللون الاسود ام الكستنائي ، ومن المؤلم ان يتسبب هذا بفض الناس من حول رجال الدين المحترمين ، لان الامر يختلط على الناس اليوم.
لا فرق في التخريب بين من يفتي لاجل السلطان ، وبين من يفتي بعقل صغير ، وبين من يفتي في كل شأن. اين هم العلماء القادرون على قول كلمة "كفى" لكل هؤلاء؟ اين هم العلماء الذين يصح وصفهم بورثة الانبياء؟ بلا شك موجودون في كل مكان؟ لماذا يسكتون اذن؟ امام هذه المساخر التي يتم طرحها علينا باسم الدين. لم يبق الا ان نسأل عن ايهما افضل ان ادخل سيارتي بالقدم اليمنى ام اليسرى ، ولم يبق الا ان نسأل عن حكم شرب حبة دواء صنعها مشرك ، فيأتي الجواب ربما ان الله سخر لنا الكافر في الدنيا ، واخشى ما اخشاه ان نخسر الدنيا والاخرة وفقا لهذه الطريقة.
العلماء ثلاثة ، الاول اجر علمه لحاكم وسلطة ، والثاني يفتي عن قلة علم وعمل ورؤيا ، والثالث يخاف الله حقا ، ويعرف كيف يوازن بين شؤون الدنيا والاخرة ، وهذا الصنف الثالث محارب واختفى وتم اطفاء صوته ، لصالح النوعين الاول والثاني. لا انسى في حياتي والحمد لله دون رياء فقد حججت سبع حجات متتاليات ، وانه ذات حج وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سأل جزائري احد الشيوخ بهل يجوز ان يحج عن والده العام المقبل ، ووالده المرحوم لم يكن يصلي ، فرد عليه الشيخ سامحه الله.. "ابوك في جهنم ومات كافرا ، ولا فائدة من حجك عنه ، ولا يجوز ان تحج عنه". حسبي الله.. قلتها من قلبي ، وكدت اذهب لابكي عند رسول الله ، امام هذا الجواب. لا يرحمون ولا يريدون لرحمة الله الواحد ان تتنزل ايضا ، والاسلام العظيم ، لم تخفت انواره الا لان سوء من يدعون نُصرته ، كانوا السبب الاساس ، في مسه ومساسه ، وفي ادعاء الوكالة على الخلق باسم الله. كيف عرف الشيخ ان والده في جهنم. ليته اخبرنا يومها.
لم يبق الا ان يفُتي امثال هؤلاء بجوازية تسليم المسجد الاقصى لاسرائيل لان الله وعدهم بقيام دولتهم في سورة الاسراء ولا يجوز ان نخالف ما يقوله ربنا.. فلا تستغربوا اذن لو اصدروا مثل هذه الفتوى.
mtair@addustour.com.jo