المعارضة والموالاة جناحا الدولة

تم نشره الإثنين 18 كانون الثّاني / يناير 2010 02:00 صباحاً
المعارضة والموالاة جناحا الدولة
موسى برهومة

بينما كنا نصغي لكلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في مركز الملك الحسين بن طلال للمؤتمرات في منطقة البحر الميت أمس، سألني أحد الزملاء: هل تتوقع أن يتحدث الملك بصراحة أو بإلماحة عن بيان الشخصيات السياسية الثماني والسبعين؟، فأجبته كلا. ولما حاول الاستيضاح، قلت له دعنا نكمل الاستماع لكلمة جلالته، ومن بعدها سأجيبك.

 وبالفعل صفق الحضور لجلالته بعدما أنهى كلمته غير المطولة، ورحت أوضح لصديقي الإعلامي بأن الملك هو بمثابة أب لسائر الأردنيين "المعارضين" منهم قبل "الموالين"، لأن المعارضة والموالاة جزء أساسي من نسيج الدولة.

 ولئن أزعج الكثيرين بيانُ المعارضة الثلاثاء الماضي الذي حمل عنوان "ليست حربنا"، بسبب لغته التي بدت أقرب إلى الخطاب العدمي، إلا أن ذلك لا يعني إخراج المعارضة ورموزها من المعادلة الوطنية، خصوصا وأن من بين موقعي البيان رموزا لا يملك المرء إلا أن ينحني لها ولتاريخها المشرف.

 ولعلها مناسبة أن نعيد النظر في هذين الفسطاطين غير الدقيقين في الحياة العامة، وأقصد بهما: المعارضة والموالاة، لأنهما ليسا أمرا صلبا، أو حقيقة نهائية، فأنا قد أكون معارضا حينا ومواليا حينا آخر، والأمر ليس مرتبطا، كما يمكن أن يتخيل البعض للوهلة الأولى، بلعبة الكراسي الموسيقية، أو بالانتهازية السياسية، وإنما يتصل بلحظة اتخاذ القرار، وهي لحظة يقدرها الحس الوطني، والوعي العام، والمصلحة العليا للبلد.

 ولطالما كنتُ أرى إلى المعارضة والموالاة باعتبارهما جناحي الدولة اللذيْن لا يمكن التحليق من دون خفقهما المتواصل، وصعودهما التناغمي الدقيق نحو الغيوم. والمعارضة مصدر قوة للبلد، إن هي التزمت مصالحه الكبرى، ولم تستقو عليه، أو تفتئت على خياراته التي تفرضها أحيانا الاعتبارات القاهرة.

 ولعلي أميل إلى مصطلح "المعارضة الوطنية الرشيدة" التي تتبنى برامج وسياسات تؤهلها أن تكون حكومة ظل، وهي في ذلك تتنكب المسار الأصعب، لأن اختيارها أن تكون لاعبا أساسيا في المسار العام للدولة يرتّب عليها التزامات كبيرة، لربما تجعلها تترفق بلغتها وتنأى عن الجنوح إلى التصورات والافتراضات المتطرفة التي يصعب عليها سلوكها إن هي حكمتْ.

 المعارضة بهذا المعنى بالتحديد، تغدو مكونا أصيلا في النسيج الوطني، ولا تكتفي بأن تلقي حمولتها الخطابية الهائجة في وجه الحكومات، بل أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية في النظر إلى البلد على أنه بلدنا جميعا، وبالتالي ينبغي صيانته وحمايته من الأذى والتشويه و"الانزلاق إلى مهاوي الردى". ولا يكون ذلك بالصراخ الذي يجعل الزبد يتطاير من الميكروفونات، بل بالحوار النقدي العقلاني الذي يتطلع إلى البناء والإصلاح وليس إلى تسجيل المواقف، وتخوين المجتهدين والمختلفين وأصحاب الأفكار المغايرة.

 لا يحق للمعارضة أن تنشقّ، وتتخلى عن دورها الوطني الرشيد، ولا يتعين على الحكومة وأركان الدولة أن تقصي المعارضة، باعتبارها فائضة عن الحاجة.

 ومن الضروري أن تتخلص المعارضة الأردنية من الصورة النمطية التي تجعل إلقاء التهم أمرا سهلا، وفي متناول كل طامع بشهرة زائفة، وعليها أن تجترح مفهوما جديدا لمعارضة خلاقة تؤمن بالشراكة وبروح المبادرة، ولا تقف على قارعة الطريق تتصيد الأخطاء وتقتنص الهفوات، لأن في ذلك تقزيما لدورها الوطني والتاريخي.

m.barhouma@alghad.jo



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات