رأس النظام وتلابيب الحكم

مآلات الربيع العربي في شوارع العواصم العربية تَغث البال والروح، وتنشر الخوف أكثر من المستقبل، وفي قابل الايام.
في زمن الربيع العربي ظواهر لا يمكن ان تستقيم في مواجهة أي عقل، فالتشويه الذي أصاب بنيان ثلاث دول على الأقل (اليمن وليبيا وسورية) تجاوز مفهوم أن يبقى رأس النظام متمسكا بتلابيب الحكم.
في اليمن، الذي كان سعيدًا، تذكرون أن حجم التشويه الذي أصاب وجه الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح بعد انفجار مسجد قصر الرئاسة تجاوز الـ 100 %، حيث أصبح شخصًا آخر في لون البشرة وفي النطق وفي كل شيء، هذا التشويه الشكلي لا يقل أبدًا عمّا أصاب نظامه السياسي وبعد نحو ستة أشهر على التظاهرات المطالبة بالتغيير ورحيل النظام، بقي الرئيس متشبثا بما تبقى من نظامه، ولم يلتفت أبدًا إلى التشويه الذي أصابه والتدمير الذي أصاب بلده والحرب الأهلية المحتملة بين قبائله.
هذه الحال طبعًا لا تختلف عنها في جماهيرية القذافي، الذي دمر "الثائر من الخيمة" ما تبقى منها، وبقي متمسكا بزمام الحكم، ويهذي من مخبئه بخطابات مشوّهة، وبقي على هذه الحال الى ان وُجِد مختبئًا في عبّارة مياه، مِن قبل ثوار ليبيا، ففعلوا فيه ما فعلوا.
وفي جارتنا الشمالية، لا يختلف التشويه كثيرًا، حيث دُمِّرت المدن السورية الوادعة، وتحولت إلى ساحات قتل وإعدام لا يتوقفان، وجلبت الفوضى متطرفي العالم ومجرميه كلهم، والخطاب الرسمي لا يتغير، ليكتشف السوريون أنهم ليسوا على علاقة بنظام حكمهم منذ نحو أربعين عامًا، الذي مازال خطابه قائمًا على: "سوف أبقى أحكم البلاد حتى آخر مواطن سوري"، مثلما كان يقاتل اسرائيل بالخطاب نفسه ايضًا، عندما كان محتلًا للبنان؛ "سوف أحارب حتى آخر مواطن لبناني".
في اليمن الآن، وبعد أن سيطرت جماعة الحوثيين على مفاصل الدولة اليمنية، وأودعت الرئيس منصور عبدربه هادي بما يشبه الاقامة الجبرية في قصره، ها هو الرئيس السابق علي عبدالله صالح يحاول العودة للحكم بالتحالف مع اعدائه، وقد ساهم في تمويل الحوثيين بالسلاح، وخطاب صالح "عليَّ وعلى اعدائي.." حتى لو دُمِّرت اليمن بالكامل.
في ليبيا، وصلت الحال الآن، إلى فوضى لا يمكن لأية محاولات ترميم ان تنقذ البلاد مما وصلت اليه.
وفي عاصمة الأمويين، القتل اليومي يتجـاوز المئات، والتـدمير طال كل شيء، والجماعات الارهابية المسلحة تحتل اجزاء من أرض الشام، وتقيم عليها "دولة الخلافة"، وطائرات اسرائيل تصطاد مناصري النظام من جماعة حزب الله، ومع كل هذا لا يزال النـظام يحاول إعادة انتاجه، وتأهيل نفسه من جديد، حتى لو كان عبر بوابة موسكو او غيرها، ويستمر في توجيه الاتهامات بالتآمر عليه من قبل الجميع، بمن فيهم الاردن الذي وقف ناصحا له منذ اليوم الاول، بضرورة اللجوء للحل السياسي.
أمام واقع هذه المآلات ونتائجها، لا يمكننا في الاردن إلّا أن نتعاضد أكثر وأكثر لتجنيب بلادنا الفوضى والدمار والخراب.
(المصدر: العرب اليوم 2015-01-22)