هل الشعب العربي يدعم التطرف؟

لا أحد يُنكر أن هناك موجة من التطرف والعنف بأشكاله المختلفة، وبخاصة السياسي منها، والذي حدا بالعديد من الجهات والمفكرين الأجانب، وحتى العرب، إلى النظر إلى العالم العربي على أنه حالة استثنائية في توليد العنف وتصديره، والتلميح هناك إلى وصف الثقافة العربية والدين الإسلامي باعتبارهما داعمين للتطرف والعنف. صحيح أن بعض الفئات السياسية التي تتخذ من العنف منهجاً في التعامل مع الآخر، ترتكز أيديولوجياً على الدين في صراعها السياسي والأيديولوجي، لكن يجب النظر إلى التطرف بوصفه ظاهرة سياسية، وليس باعتباره ظاهرة دينية.
بداية، إن الاستمرار في الحديث عن العالم العربي وكأنه وحدة واحدة تفرز الظواهر نفسها، هو حديث لا يستقيم من الناحية العلمية والمنهجية. وبالرغم من اشتراك سكان العالم العربي باللغة والدين، إلا أن هناك أكثر من عشرين دولة عربية، ذات أنظمة سياسية وسياقات اقتصادية واجتماعية متباينة وليست متطابقة. لذا، فإنه يجب النظر إلى التطرف بوصفه حالة تعالج على المستوى المحلي أو الوطني، حتى نستطيع التعامل مع هذه الظاهرة.
إضافة إلى ذلك، فإن التطرف السياسي ليس حكراً على العرب ولا على أتباع الدين الإسلامي. فعلى الصعيد السياسي، هناك اليمين المتطرف واليسار المتطرف، والمتطرفون القوميون الذين يأتون من الأديان والمشارب الثقافية كافة. إذن، التطرف ظاهرة عالمية بامتياز، تمارسه جماعات أو أحزاب أو دول على حد سواء. وإذا كان التاريخ مؤشراً، فلنتذكر الفظاعات التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية، ونتذكر العنف الذي اجتاح أميركا اللاتينية والوسطى في الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات، والذي كانت تمارسه حركات سياسية من اليمين إلى اليسار، وأنظمة سياسية. وبالطبع، يجب أن لا ننسى التطرف الصهيوني المبني على أسس دينية، قبل وبعد إنشاء دولة إسرائيل.
التطرف والعنف المفرط في العالم العربي حصلا بعد انهيار بعض الأنظمة في دول المنطقة، مثل العراق وليبيا؛ ودول مرت بلادها بحروب أهلية استغلتها بعض القوى الإقليمية لمصالحها الذاتية، بصرف النظر عن المبررات والمسوغات التي تسوقها. فالإقليم يمر في ظروف استثنائية، ولّدت تطرفاً وعنفاً استثنائياً. لكن في الحقيقة، فإن غالبية الشعوب العربية هي شعوب مسالمة، تنزع نحو السلام والديمقراطية، وهي أول من يعاني من هذا التطرف والعنف. فاستناداً إلى بيانات مقياس الديمقراطية العربي الذي تنفذه مبادرة الإصلاح العربي في أكثر من عشر دول، فإن الغالبية من المواطنين العرب يعتقدون أن النظام الديمقراطي هو أفضل النظم السياسية الموجودة أو الممكنة، بالرغم من سلبياته. كذلك، فإن نسبة الدعم الشعبي للحركات المتطرفة في سورية والعراق، لا تكاد تذكر، كما بينت ذلك الاستطلاعات التي أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، ومركز "بيو" العالمي، والمركز العربي للبحوث ودراسة السياسات. علاوة على أن الغالبية أيضاً ترى أن التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق تشكل أكبر تهديد لاستقرار وأمن المنطقة.
الكل يتذكر مئات الآلاف من المتظاهرين في تونس ومصر واليمن والأردن الذين ملأوا الشوارع العربية لأيام وأشهر، وضربوا درساً في الاحتجاجات السلمية، ولم تسجل أي حالة عنف تذكر.
إن التطرف والعنف في منطقتنا هما ظاهرة معقدة، أنتجتها مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية كجزء من الصراع على السلطة والنفوذ. والتزايد المطرد للتطرف كان نتيجة لانهيار بعض الأنظمة السياسية، ما أتاح المجال أمام القوى الإقليمية والدولية لاستغلال هذه الظروف من أجل مصالح سياسية واقتصادية.
إن العالم العربي اليوم يشهد حالة من الصراع الأيديولوجي بين الأقلية المتطرفة والأغلبية المعتدلة، والصراع هو حول هوية الدولة والحداثة. ويجب أن ينظر إليها كمرحلة انتقالية لا حالة نهائية. ومهما انتشر التطرف، فليس له مستقبل في بلادنا.
(الغد 2015-01-22)