النزعة العسكرية الاستعمارية المتأصلة للولايات المتحدة

تم نشره الأربعاء 22nd نيسان / أبريل 2015 12:36 صباحاً
النزعة العسكرية الاستعمارية المتأصلة للولايات المتحدة
هند التونسي

لم تنشأ الولايات المتحدة كغيرها من الدول الكبرى على اسس معروفة لنشوء الدولة! في نطاق العلاقات الدولية والقانون الدولي، فالمستعمرون الاوروبيون الاوائل الذين هاجروا الى الولايات المتحدة بعد اكتشافها، شكلوا النواة الاولى للاستعمار الاستيطاني في العالم الجديد. وقد شاهدنا مثيله في العصر الحديث برغم بعد المسافة التاريخية، في جنوب افريقيا سابقا؛ ونشاهده الآن بأبهى صوره في الاستعمار العسكري الاستيطاني الصهيوني!!.. على ارض فلسطين.
هذه النشأة الاستعمارية الاستيطانية للولايات المتحدة؛ طبعت سياستها الاستراتيجية في جميع المراحل التاريخية منذ نشأتها وحتى بلوغها عام 1991م مرحلة القطب الدولي الواحد، الفاعل في العلاقات الدولية على جميع المستويات. وهذه المرحلة التاريخية الاخيرة، التي نعاصرها أماطت اللثام عن الوجه الاستعماري الحقيقي للولايات المتحدة.
فالاستعمار الامريكي جاء نتيجة للاحداث التاريخية التي مرت بها الولايات المتحدة بعد حرب الاستقلال الامريكية؛ فالمستعمرون البيض الاوائل في الولايات المتحدة وكبار الرأسماليين هناك، قاموا بالتوسع الاقليمي على حساب الهنود الحمر سكان امريكا الاصليين وعلى حساب المكسيكيين وباقي التجمعات الاوروبية الاستعمارية آنذاك التي غزت العالم الجديد. وبذلك توسعت الولايات المتحدة واصبحت دولة قارية.
وفي العالم الجديد عمل المستعمرون الامريكيون على انتزاع الاراضي من الهنود الحمر السكان الاصليين بالقوة وبالحملات العسكرية؛ وعملوا ايضا بتجارة الرقيق في الولايات المتحدة الجنوبية الغربية للعمل في زراعة القطن والصناعات الحديدية. واستوردوا العمال من اوروبا، واستخدموا مئات الالاف من المكسيكيين والصينيين والفلبينيين في انشاء السكك الحديد والمزارع الرأسمالية في البقاع الجنوبية الغربية من امريكا. والحجم الاكبر من الثروة والنمو الاقتصادي تحقق بالاستغلال البشع لملايين الزنوج الذين اختطفوا من ارجاء افريقيا، وقادتهم عصابات السماسرة الامريكان والاوروبيين قسرا الى امريكا ليعملوا في الزراعة وقطاعات الانشاءات والبناء والتعدين. وقد عانت اجيال الزنوج في امريكا والى اليوم الكثير من الاضطهاد والاستغلال والتمييز.
وتقدم الاقتصاد في الولايات المتحدة بعد نشأتها بدرجة عظمى، حتى كان هناك ثماني مجموعات مالية كبرى تسيطر على 62 % من صناعات الولايات المتحدة الثقيلة ووسائل الاتصال والمصارف وتراكم رأس المال في ايد قليلة قادت الشركات الاحتكارية للبحث عن مناطق جديدة توظف رساميلها فيها حول العالم؛ حيث ان السيطرة الاقتصادية تتبعها السيطرة السياسية والعسكرية.
في ضوء هذه المعطيات، كان استخدام الولايات المتحدة منذ نشأتها للقوة العسكرية مترافقا مع انطلاقها للبحث عن مصالح خارج حدودها. ولا يزال هذا التوجه من ثوابت السياسة الاستراتيجية الامريكية حتى الان. فالتدخل العسكري هو الوسيلة الرئيسية في توسعها الاستعماري وتحقيق مصالحها، ففي سنة 1898 شنت الولايات المتحدة نظرا لتوفر الظروف والبيئة الدولية آنذاك، حربا استعمارية لاعادة تقسيم العالم!؟.. وكانت هذه الحرب ثانوية خاضتها ضد عدو مستضعف هو اسبانيا. وكانت غنيمتها هائلة! حيث استولت على الفلبين، وبورتوريكو، وسيطرت بصورة غير رسمية على كوبا وحققت نفوذا واسعا شمل القسم الشمالي من امريكا الجنوبية وكامل امريكا الوسطى. وكذلك بسطت سيطرتها على البحر الكاريبي وعلى كثير من القواعد المهمة في المحيط الهادي.
لم تكن الحرب ضد اسبانيا نهاية المطاف. فالبلاد التي بسطت الولايات المتحدة سيطرتها ونفوذها عليها لم تتقبل استبدال المستعمرين الاسبان والانجليز بمستعمرين جدد من الامريكيين. فما كان من قادة الاستعمال الامريكي الا ان خاضوا حروبا عدوانية ضد الفلبين والمكسيك وكوبا ونيكاراغوا، وبنما، وهاييتي وكولومبيا والدومينكان وكوستاريكا، وهندوراس، والصين. وفي بداية العقد الثاني من القرن العشرين خاضوا حربا ضد فيتنام. وفي العقد الاخير من القرن العشرين خاضوا حروبا في اوروبا ضد صربيا وكوسوفو.
وهكذا.. الولايات المتحدة استهلت نشأتها بالحرب والعدوان، وحقق نموها الاعظم بالطريقة التراجيدية نفسها. وما حققه الاستعمار الامريكي بعد ذلك كان عن دور الولايات المتحدة في الحربين العالميتين الاولى والثانية وعن اعمالها وتهديداتها العسكرية في السنوات التي اعقبت الحرب العالمية الثانية. والتوسع الامريكي لم يتحقق فقط بالوسائل العسكرية، فقد لعب الضغط الاقتصادي دوره المهم في ذلك ووظف بأشكال عدة:
1-التدخل الدبلوماسي لانتزاع الامتيازات لمصلحة شركات امريكية معينة.
2-عقد الاتفاقيات التي تمكن الشركات الامريكية من السيطرة والاستيلاء على ثروات الشعوب ومواردها الطبيعية بلا حدود.
3-دعم الانظمة السياسية الموالية لها والمستبدة لكي تضمن وتحمي مصالحها الاقتصادية من اي تهديد او عوائق في دول تلك الانظمة.
4-استخدام المنظمات والهيئات الاقتصادية الدولية لتأمين التدخل في شؤون الدول التي تتعامل مع تلك الهيئات والمنظمات؛ وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية.
5-تقديم القروض الى الدول الفقيرة او تلك التي خربتها الحرب بشروط تتلاءم مع ما تفرضه الشركات الامريكية.
6-عقد الاتفاقيات التجارية التي تحظر حماية الصناعات الوطنية في الدول النامية من خطر الاحتكارات الامريكية!
7-الحظر الاقتصادي والحصار البحري إزاء البلدان التي ترفض الانصياع لسياسات الولايات المتحدة او ترفض قبول النفوذ والمصالح الامريكية فيها.
8-شن الحرب الاقتصادية على عملات الدول التي ترفض الاستثمارات او التعامل الاقتصادي مع الولايات المتحدة.
مما تقدم نرى ان النزعة العسكرية وسياسة القوة والتدخلات العسكرية في العالم التي تمارسها الولايات المتحدة في عصرنا هذا؛ لم تكن وليدة المرحلة التاريخية الجديدة التي بدأت ملامحها بالظهور اثر انهيار القطب السوفييتي والمنظومة الاشتراكية التابعة له عام 1989م، وانفراد الولايات المتحدة على قمة الهرم الدولي؛ وانما هذه النزعة متأصلة في تاريخ الولايات منذ نشوئها. ففي عام 1991 شنت الحرب على العراق، وفي عام 2003 قامت بعدوانها العسكري الضخم على العراق بمبررات مختلفة وافتراء فاضح بحجة امتلاكه اسلحة الدمار الشامل. ومناطق التدخل العسكري الامريكي في العالم تؤشر على النزعة الاستعمارية الامريكية المتجذرة في بنية السياسة الامريكية الاستراتيجية؛ حيث تدخلت في الصومال وهاييتي، والبلقان، وضربت ليبيا والسودان وافغانستان.
والآن.. لا تزال امريكا تعتبر نفسها القوة الدولية التي تستخدم القوة العسكرية ضد من تريد وحيثما واينما تريد، مخالفة الشرائع الدولية والقانون الدولي، مخالفة الشرائع الدولية والقانون الدولي، ومستغلة المتغيرات الدولية والضعف السياسي لمعظم دول العالم.
وما الحرب في سورية واليمن التي نعاصرها سوى حرب امريكية بأيدٍ عربية واسلامية، بالنيابة عن امريكا. فهي والكيان الصهيوني الرابح الاعظم فيها، وهم المرتزقة الخاسرون البائسون!!

(العرب اليوم 2015-04-22)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات