عروبة فارس الخوري

تم نشره الخميس 23rd نيسان / أبريل 2015 11:49 مساءً
عروبة فارس الخوري
حمزة منصور

ولئن كان الزعيم فارس الخوري في طليعة المنافحين عن شرف سوريا ووحدتها واستقلالها في كل موقع شغله، فقد كان كذلك عروبيا حتى النخاع، لا يشغله همّ عن همّ، ولا واجب عن واجب، فهو يسارع الى إغاثة كل مستغيث، وتلبية نداء كل واجب، ويتحدث عنه تلميذه النجيب محمد الفرحاني، وهو الذي لازمه وعايشه السنين الطوال فيقول: (ما انفرجت شفتا مواطن في دنيا العروبة كلها عن صيحة استغاثة، أو نداء خافت، أو أنين مكبوت، إلا وكان له صدى سريع في قلبه النبيل، فقد كان في طليعة المناضلين أمام جميع الحوادث التي تعرّض لها العرب منذ أواخر الحكم العثماني حتى بداية عهد الانتداب الفرنسي).

وانطلاقا من هذه النظرة الشاملة للأمة وقضاياها ومصيرها، فقد كانت مواقفه من القضية الفلسطنية من التميز والإلتزام والوضوح محل إعجاب ما شهد به الأعداء فضلا عن الأشقاء، ساعده في ذلك رؤية عميقة وثاقبة لحقيقة المشروع الصهيوني، ولتغلغل العقيدة التلمودية في قلوب حملة المشروع، وهو في ذلك يختلف مع الذين يصرّون –لحاجة في نفس يعقوب– على أنّ المشروع الصّهيوني لا ينطلق من المعتقدات اليهودية، وإنما من أطماع استعمارية، تريد لهذا المشروع أن يكون جسرا للغرب الطامع في ديار العروبة والإسلام. وهذا ما يؤكده تلميذه وصديقه محمد الفرحاني حيث يقول: كان فارس الخوري يرى أن معركتنا مع اليهود هي معركة التاريخ، وليست معركة مع عدو طارئ، وكان يرى من السذاجة الظنّ بأن اليهود الذين احتلوا الأرض المقدّسة هم مجرّد صنائع يلعب بها الإنجليز أو الأمريكان أو الروس، ومجرّد مخلب قط لهذا الاستعمار، أو مجرّد جسر له، فهم أصحاب عقيدة رهيبة، يؤمنون بها على أّنّهم شعب الله المختار، وعقيدتهم وقف على جنسهم، وأنّ حكم العالم من حقّهم وحدهم، وأنّ غيرهم حيوانات، وأنّ حكماءهم التلموديين وضعوا لهم سياسة قديمة متصلة المراحل، تعتمد على ثلاث قواعد: افساد غير اليهود بكلّ الوسائل، وجمع شمل اليهود وتوحيد قواهم، والسّيطرة بوسائل المال والتجسس والنّشر على القوى العالمّية، وضرب بعضها ببعض). ومما يثير الإعجاب أن هذا الفهم المبكرّ والعميق لحقيقة المشروع الصّهيوني جاء سابقا لتعاظم الكيان الصّهيوني، ولاستكمال احتلال البقية الباقية من فلسطين والجولان وأراض عربيّة أخرى وقبل أن يصبح دولة نوويّة تهدّد العالم أجمع، وقبل أن تعلن عزمها على إقرار يهوديّة الدّولة ، فمتى يدرك الذين يحسنون الظنّ بالكيان، ويعقدون معاهدات للسلام معه، ويقّدمون مشروعا لإنهاء الصراع معه، يحمل اسم المبادرة العربيّة هذه الحقيقة؟ ومتى يعودون إلى رشدهم؟ فيا له من مفكرّ عظيم سبق عصره وتقدّم معاصريه!

والموقف هذا من فلسطين كان موقفه على الدّوام من جميع قضايا الأمّة، ما جعله موضع اعتزازها وافتخارها، وأوغر صدور أعدائها، فقد وقف بشموخ وإباء على منبر الأمم المتحدة ينافح عن قضايا أمّته، ويدحض مزاعم أعدائها، ما انتزع إعجاب أعدائها، فهذا المستر غوست عضو الكونجرس الأمريكي عن ولاية تكساس يقول في 8 آذار 1948: (واذا أراد أحد منّا أن يفهم وجهة نظر العرب في قضيّة فلسطين الهامّة، وإذا أراد أن يقرأ أعظم خطبة ألقيت في هذه البلاد في كلّ الشهور الأخيرة، فاسمحوا لي أن أوصي بقراءة الخطاب الفخم المملوء بالحقائق، الذي ألقاه السياسيّ السوريّ فارس الخوري أمام مجلس الأمن في 24 شباط 1948).

فهل يعيد النظام الرسمي العربي اليوم النظر في مواقفه من القضايا العربيّة، وفي مقدّمتها القضيّة الفلسطنيّة بعد أن أنسحبوا من هذه القضايا، وانكفأوا على أنفسهم، باسم الواقعيّة، والظروف الموضوعيّة، والأولويات الوطنيّة، أم يبقون سادرين في غيّهم، إلى أن يكمل أعداء الأمّة تمزيقها ، والهيمنة عليها، ونهب ثرواتها؟

وكم حاول الغربيون أن ينفذوا إلى عقل الزعيم فارس الخوري من خلال العزف على وتر الطائفيّة، ولكنّه ردّ السهم إلى رامية، مؤكدا أنّه فوق الطائفيّة والإنتماءات الضيّقة، فحين زعم وزير خارجية فرنسا مستر بيدو أن وجود فرنسا في سوريا ولبنان ضروري لحماية النّصارى من طغيان الأكثرية الإسلامية المحيطة بهم، كان جوابه: (أنا نصراني بروتستني من أصل أرثوذكسي أقول: إن دعوى حماية النّصارى مضرّة بالّنصارى أنفسهم، لأنّها تجعل الأكثريّة المسلمة تنظر إليهم نظرة عداء، باعتبارهم سببا لتدخّل الأجانب في ديارهم، عدا عن أنّ هذه الحجّة إنّما هي لتبرير بسط الحكم، إذ لا يوجد في كثير من البلاد التي احتلتها فرنسا في آسيا وافريقيا نصارى لحمايتهم، ولكنّ الاستعمار هو الغاية الحقيقيّة) فهل يعي هذه الحقيقة الذين يعملون على تقسيم البلاد والعباد على أسس طائفيّة وإقليميّة فيعيدون النّظر في هذه السياسة التي لا يستفيد منها إلا أعداء الوطن والأمّة وفي مقدمتهم العدوّ الصّهيوني الذي يطمع في دولة تمتدّ ما بين الفرات والنّيل؟ . السبيل 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات