خطوة للأمام.. خطوتان للخلف
لقي مشروع قانون الانتخاب للعام 2015، والذي أقرته الحكومة، ترحيباً وارتياحاً واسعين من جانب الأحزاب، وحتى المعارضة والمحللين وغيرهم. وللحظة، يعتقد المتابع أنه بإلغاء قانون الصوت الواحد، وطرح القانون الحالي، تكون قد أزيحت معوقات الإصلاح السياسي وأصبحنا على المسار الصحيح.
يمكن القول إن الارتياح الواسع لمشروع القانون مبني على اعتقاد مكون من شقين: الأول، أن مجلس النواب الذي أفرزته انتخابات العام 1989 هو أفضل مجلس نيابي حتى الآن. والسبب الرئيس لذلك هو القانون الذي أجريت على أساسه تلك الانتخابات، وأفرزت نخبة سياسية حزبية واجتماعية مميزة. أما المعتقد الثاني، فهو أن كل ما حصل لنا من سوء سياسياً، وبخاصة برلمانياً، سببه قانون الصوت الواحد سيئ الذكر.
قد تكون هذه الاعتقادات صحيحة، لكنها ليست مبنية على تقييم موضوعي لأداء المجالس البرلمانية في الحالتين. صحيح أن انتخابات 1989 أفرزت نخبة سياسية حزبية ووطنية، إلا أنه كانت هناك -بداية- نخبة سياسية تاريخية، سواء أكانت حزبية أم من نخبة الدولة. فيما الواقع قد تغير الآن؛ إذ لم تعد الأحزاب أو الحكومات تفرز نخباً سياسية كما كانت، لكن توّجه قانون الصوت الواحد، فلا يجوز تحميل هذا الأخير كل عثرات الإصلاح السياسي التي عانينا منها طويلاً.
إن الايجابية الرئيسة لمشروع القانون الحالي هي اعتماده مبدأ النسبية على مستوى المحافظة. لكن بعد التدقيق، سنجد أنه إعادة إنتاج لقانون انتخابات 1989 وهو أقرب لنظام الكتلة الذي كان يبنى على تحالفات عشائرية داخل كل محافظة أو دائرة انتخابية؛ إذ كان الناخب يتمتع بتعدد الأصوات كما هو في مشروع القانون الحالي.
لقد بلور جلالة الملك في الأوراق النقاشية خلاصة أفكاره، وقدّم لنا خريطة طريق فكرية وقيمية كان يمكن أن تكون الدليل للتشريعات الناظمة للحياة السياسية. وهنا تحضرني نقطتان رئيستان في تلك الأوراق:
أولاً، ضرورة بناء الحياة الحزبية الواقعية البرامجية. ولطالما نادى جلالته بضرورة تشكيل ثلاثة أو أربعة أحزاب، تمثل الأطياف السياسية المختلفة، وتتنافس فيما بينها؛ فتكون أحياناً في المعارضة وأحيانا أخرى في الحكومة.
أما المبدأ الثاني ذو العلاقة هنا، فهو تطوير الحياة السياسية نحو تشكيل حكومات برلمانية مستقبلا، سواء أكانت من الأحزاب أو الكتل. ولا يمكن تحقيق هذه الرؤية المتقدمة للإصلاح السياسي من دون تحويل هذه المبادئ إلى قوانين وتشريعات.
والسؤال الذي يثار هنا هو: هل يحقق مشروع القانون الحالي هذه المبادئ أم لا؟ في تقديري أن المشروع لن يكون قادراً على تحقيق تلك المبادئ، لأنه سيعزز دور العشائرية والمناطقية، وسيكون متحيزاً للعشائر الكبيرة، وسيزيد من الصراعات العشائرية في العديد من المناطق. كذلك، وبما أن مشروع القانون لم يشترط القوائم الحزبية، فإنه لن يساهم في تعزيز الحياة الحزبية، ولن تتمكن سوى بعض الأحزاب الكبيرة من المنافسة الفعلية في الانتخابات. كما أن المشروع فيه أيضاً تراجع بالنسبة للمرأة، إذ جعل "الكوتا "النسائية مغلقة، أي إنه لن يزيد عدد النساء عن العدد المقرر لها بـ"الكوتا" (15 مقعداً)، بعكس ما كانت عليه الحال بالنسبة للقانون الحالي، إذ تمكنت بعض النساء من الفوز تنافسياً. وهذا يشكل انتكاسة لمشاركة المرأة في الحياة السياسية.
إن الاستقبال الحار لقانون الانتخاب الجديد من منظور التخلي عن قانون الصوت الواحد، فيما قد لا يكون مبرراً من منظور دور هذا القانون في إحداث نقلة سياسية تستجيب لمتطلبات تطور الحياة الديمقراطية؛ لأنه كما تم دفن قانون الصوت الواحد، فقد تم أيضاً دفن القائمة الوطنية.
(الغد 2015-09-03)