أسلمة الدستور التركي.. هل ينجح أردوغان

تم نشره الخميس 28 نيسان / أبريل 2016 12:37 صباحاً
أسلمة الدستور التركي.. هل ينجح أردوغان
محمد خروب

لن يُغيِّر تبرؤ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من التصريحات «الصريحة والواضحة جداً» التي ادلى بها رئيس برلمانه وصديقه الشخصي وعضو حزب العدالة والتنمية الحاكم، إسماعيل حقي كهرمان، من حقيقة المبادئ والايديولوجية والخطاب التي ينهض عليها هذا الحزب الاسلاموي, الذي خرج من معطف «ابي الاسلام السياسي التركي» نور الدين أربكان، في مسعى لتجميل صورة ما يوصف بالاسلام المعتدل, تمهيدا للانقضاض على الديمقراطية وأسلمة المجتمع واستعادة امجاد الامبراطورية العثمانية التي لم يتوقف اردوغان عن تمجيدها والدعوة الى استعادة إرثها وخصوصاً في بلاد العرب التي استعمرها العثمانيون اربعة قرون عجاف.
واذا كان كهرمان قد تحدث بلغة لا تقبل التأويل او الاجتهاد, عن «الشعب التركي المسلم، حيث يجب ان لا نخجل من الحديث عن الاسلام والدين في الدستور الجديد، بصفتنا بلداً مسلماً،مُتسائلاً لماذا علينا ان نكون في وضع نتراجع عن الدين؟ ليجيب هو نفسه على تساؤله بالقول: نحن بلد مسلم ويجب ان نصوغ دستوراً دينياً – مُضيفاً في اندفاع وحماسة – يجب حذف مادة العلمانية من الدستور. دول قليلة تتحدث عنها مثل فرنسا، لكنها لا تضع تعريفاً واضحاً لها، ما يدفع كثيرين الى سوء تفسيرها، وهذا حصل في تركيا».. ختم رئيس البرلمان التركي الذي يرأس لجنة صياغة دستور جديد لتركيا, تشارك فيه احزاب المعارضة الثلاثة.. فهل زعمه بانه تم اخذ تصريحاته من سياقها وتوظيفها لاثارة الفتنة، يمكن «ابتلاعه» بعد كل هذه الصراحة والوضوح اللذين تحدث بهما؟.
ثم...
كيف يمكن للرئيس اردوغان ان يقول ومن العاصمة الصربية «زغرب» ان «رئيس البرلمان عبّر عن قناعاته وافكاره الشخصية»، خصوصاً ان كهرمان ليس مجرد «نائب» عادي بل هو في البروتوكول يكاد يكون الثاني بعد الرئيس، ولا قيمة أو اهمية لنفي يأتي بعد العاصفة السياسية والحزبية التي اندلعت مباشرة بعد تصريحات كهرمان، ناهيك عن ردود الفعل الأوروبية الصاخبة التي نقلتها وسائل الإعلام المختلفة والتي أعادت الى الأذهان المخاوف الأوروبية القديمة في شأن عضوية تركيا «المُقترحة» في الاتحاد الأوروبي، والسجال الذي دار بين أنقرة وبروكسل حول «النادي المسيحي» الذي يرفض تركيا المسلمة, على ما دأب أردوغان ان يتحدث ويتهم؟
ليس ثمة شك بان ما أدلى به اسماعيل كهرمان، لم يكن زلّة لسان أو مجرد حماسة استبدّت بالرجل، فأراد اتخاذ موقف «متطرف» علّه بذلك يحجز لنفسه مقعدا دائما او متقدما في قوائم حزب العدالة والتنمية الانتخابية والتنظيمية، في حال اندلعت مواجهة بين تيار اردوغان الاقوى والاكثر تماسكا وتيار رئيس الوزراء احمد داود اوغلو، الذي تتواتر أنباء عديدة – ومعظمها تركية – عن بداية فتور في علاقاتهما, قد تطيح أوغلو وتأتي بغيره على رئاسة الوزراء.
ما اراد كهرمان ارساله وصل الى من يعنيهم الامر, ومسألة اسلمة الدستور التركي في نظره ــ كما اردوغان ــ لم تعد سوى مسألة وقت، اذا ما اسعفهما الوقت ومكنتهما الظروف الاقليمية من المضي قدما في مشروع «دفن» الاتاتوركية مع حلول العام ,2023 الذي يصادف مرور «قرن» على قيام الجمهورية الاتاتوركية, ليكن اردوغان, اذا ما وعندما, تتواصل رئاسته الى ذلك العام، المؤسس الثاني لتركيا الحديثة, ولكن بِلبوس «اسلاموي»..
لو عاد المرء قليلاً الى الوراء، ودقّق في ما بات معروفاً من حقائق المشهد السوري بعد ان انكشفت اوراق وخطط ومحاضر وجلسات سرية، لرأى كيف ان اردوغان وعند اندلاع احداث درعا وتطور الاوضاع في سوريا عموماً، كيف ارسل اوغلو وبعض مسؤوليه الكبار لـ»نصح» الرئيس السوري و»مساعدته» على الخروج من الازمة, عبر اشراك جماعة الاخوان المسلمين في سوريا، في الحكومة، ليأخذ (اردوغان) على عاتقه مهمة اخماد الاحداث والدفع بها نحو التهدئة، ولما رفض الاسد «شروطاً» كهذه، مضى اردوغان قدما في سعيه لتدمير سوريا واشاعة الموت والخراب، والفوضى فيها على النحو الذي شهدناه ونشهده.
ماذا عن مصر ورئاسة مرسي وشعار رابعة, الذي دأب اردوغان على رفعه في المناسبات والتعرّض لمصر بمناسبة وغير مناسبة, وحشد قادة كل تيارات الاسلام السياسي (السُّني كما يجب التذكير) في اسطنبول, للاشادة به وتمجيد تركيا, والالتقاء باعضاء التنظيم الدولي للاخوان المسلمين؟ خصوصاً انه طالب ذات يوم بوجوب تعديل مفهوم العلمانية في تركيا في شكل يناسب والغالبية المسلمة للشعب.وضرورة أخذ «تديُّن»الشعب المسلم لتركيا في الاعتبار,خلال صوغ «القوانين».
كلها امور معروفة, ولم يعد ثمة شكوك بانه مشروع اردوغان الاسلاموي لم يمت وان كان تبرأ من تصريحات رئيس برلمانه، لكنها تصريحات بمثابة بالون اختبار لرصد ردود الفعل وقياس مدى تقبلها او رفضها.
قد يكون رئيس حزب الشعب الجمهوري الاتاتوركي المعارض كمال كيليتشدار اوغلو، اصاب الحقيقة عندما ردّ على تصريحات كهرمان بالقول: الفوضى التي تسود الشرق الأوسط، هي ثمرة عقليات تُسخِّر الدين، أداة سياسية كما تفعلون، والعلمانية هي المبدأ الرئيس للسلم الاجتماعي، وتضمن لكل فرد ان ينعم بالحرية الدينية.

المصدر : الراي 28/4/2016



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات